ربما لم تكن المقاربة التي ساقها الصديق «عادل مرزوق» بين العُدّة النووية الإيرانية، وصفقة السلاح الخليجية - الأميركية الأخيرة (بقيمة عشرين مليار دولار) بقادرة على تفسير عدد من الإشارات الواردة فيها فضلا عن الشرعية المُبرّرة لإعادة النظر في أصل تلك المقاربة... ففي الوقت الذي قرّر فيه الكاتب أن البرنامج النووي الإيراني هو «غير سلمي» ونَعَتَهُ علنا بالسلاح النووي على رغم غياب التوصيف الدولي له بالعسكرة سواء عبر الوكالة الدولية للطاقة الذرية باعتراف البرادعي الذي قال إن أهم الشكوك الدولية وهو التخصيب العالي 36 و54 في منشآت نطنز والأجهزة الكهربائية لم يحدث داخل إيران، وإن الوكالة كانت تعلم بموقع بارجين، وأن ليس لديه ما يُشير إلى أن هذا الموقع يُستخدم لتصنيع قنابل نووية، أو عن طريق الكثير من الغرماء من الترويكا الأوروبية يعطيني الرغبة في تصحيح ذلك التقرير وتصحيح عدد من النقاط التي ساقها الصديق ضمن عموده المُعنون بـ «مليارات نجاد المفقودة» كتاريخ البرنامج النووي الإيراني وإرهاصاته وما أُنفق عليه، تاركا لنفسي الحق في الإعراض (في هذه السطور على الأقل) عن بقية النقاط المرتبطة بصفقة دول الخليج التسليحية الأخيرة مع المصانع الأميركية، وما أنفقته هذه الدول طيلة العشرين سنة الماضية على السلاح والذي وصل مجموعه إلى أربعمئة مليار دولار! أو حتى تلك المتعلقة بما أسماه الكاتب بـ «التدخل الإيراني الطائفي» في العراق الهادف إلى تمكين الشيعة من التفرد بالحكم، وأكتفي بما أجده ضروريا!
طبقا للتقرير الذي أصدرته الوكالة الدولية للطاقة الذرية بعد اجتماع مجلس حكماء الوكالة في فبراير/ شباط 2004 والذي رصد فيه أنشطة إيران طيلة ستة وثلاثين عاما فإن المشروع النووي الإيراني إبّان الحقبة الشاهنشاهية قد بدأ فعليا في العام 1970 عندما حصل الشاه على أول مفاعل نووي لمركز أميرآباد للبحوث النووية في طهران من الولايات المتحدة الأميركية بقدرة 5 ميجاوات، وبعد أربع سنوات من ذلك التاريخ قام الشاه بتشكيل هيئة الطاقة الذرية، وبعد عام قام بشراء 10 في المئة من الحصص الخاصة بإحدى مفاعلات «أردييف» المنتجة لليوارنيوم المخصّب بمنطقة تريكستيان بفرنسا والمملوكة لكنسيرتيوم يحوي بلجيكا وإسبانيا وفرنسا، وكان شاه إيران يهدف من ذلك لتشغيل 33 مفاعلا نوويا قبل منتصف السبعينات، كما أنه ومع حلول العام 1978 كان قد أبرم ست اتفاقات خاصة بإنشاء ست مفاعلات نووية، كما أن عملية بناء مفاعلين نوويين بواسطة ألمانيا بقدرة 1300 ميجاوات في مدينة بوشهر قد بلغت مراحل متقدمة بنسبة 60 إلى 75 في المئة، وبدأت التجهيزات اللازمة لموقعين نوويين بقدرة 935 ميجاوات بمساعدة فرنسية في منطقة دارخونين، كذلك حصل الشاه في العام 1978 على أربعة أجهزة ليزر ذات فعالية حسّاسة من طراز ميكرون 16 من الولايات المتحدة الأميركية، مع محاولته الحصول على البلوتونيوم مع توقيعه اتفاق مع جنوب إفريقيا قبل ذلك بعامين لشراء المواد الخام التي تحتاجها المفاعلات النووية، هذا بإيجاز فيما يتعلق بالمرحلة الشاهنشاهية أسردها فقط للتذكير بأرقام مُوثّقة لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية وللفصل التام ما بين العهد الملكي والعهد الجمهوري الإسلامي منذ فبراير من العام 1979، إذ إن المهتمين بالمسألة النووية يعلمون أن الشروع في أي مسعى نووي يحتاج إلى متابعة متلاحقة للحفاظ على ديمومة الإنتاج والنتائج، وإن أي توقّف سواء في مسألة البحوث أو العمل الديناميكي المباشر سيُجهز على العمل النووي برمّـته، وهو ما تبيّن لاحقا في محطة بوشهر النووية بعد قرار إعادة تشغيلها، إذ تبيّن أن الصالح من أجهزتها لا يتجاوز الثلاثة في المئة. في الفترة اللاحقة لانتصار الثورة الإسلامية وبعد نشوب الحرب العراقية الإيرانية (1980 - 1988) بدأ الحكم الجمهوري الثوري في إعادة إحياء البرنامج النووي الذي كانت متعهدة به شركة (KWU) الألمانية حتى نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني من العام 1979، وكان أول تعامل رسمي إيراني بشأن ذلك هو في العام 1981 بعد الخطاب الذي وجّهه رئيس مجلس القضاء الأعلى آية الله السيد محمد حسين بهشتي، وقد بدأت مفاعيله الحقيقية في العام 1984 بنقل التجهيزات والمعدات النووية من مركز أميرآباد إلى مجمّع للبحوث النووية وبناء مركز جديد بمساعدة فرنسية في جامعة إصفهان، ثم أعلنت إيران ما بين العامين 1987 و1989 أنها بصدد تشييد مشروعات في محافظة يزد التي تحوي تربتها أكثر من 500 طن، وأقامت مؤتمرا علميا في العام نفسه ووقّعت مع باكستان اتفاقا للتعاون النووي، ثم توثّقت علاقاتها بالجزائر والأرجنتين والصين وألمانيا وإسبانيا وبلجيكا وبريطانيا وإيطاليا في العهد الرفسنجاني بغية الحصول على تقنية نووية وخصوصا الإيزوتوب الليزري، أي بالتحديد من العام 1990.
وفي العام 1992 وقّعت موسكو وطهران اتفاقين، الأول يهم التعاون في مجال الاستخدامات السلمية للطاقة النووية، والثاني يتعلق ببناء محطة نووية في إيران لتوليد الطاقة الكهربائية، وبعد العامين من ذلك وقّعت إيران عقدا مع روسيا بقيمة 800 مليون دولار لبناء مفاعل بوشهر النووي (جنوب إيران) بطاقة تبلغ 1000 ميغاوات بعد أن تنصلت شركة سيمنس الألمانية عن إكماله بضغط من الولايات المتحدة، وقد نُقِل هذا المفاعل من مصنع إيغورسكاي زافودي بسان بطرسبرغ إلى إيران وبمعيته أكثر من ستمئة تقني على أن يلتحق بهذا العدد في نهاية العام 2002 ألف وأربعمئة تقني آخر، وبعد زيارة وزير الطاقة الروسي السابق يفغيني أداموف إلى طهران تمّ التوقيع على اتفاق آخر للتسريع في عملية بناء مفاعل بوشهر على أن يدخل الخدمة في ديسمبر/ كانون الأول 2003 ويتم الحصول على الدفعة الأولى من طاقته الإنتاجية بحلول أواسط العام 2004، كما أن تلك الزيارة أثمرت عن إيجاد دراسات عن بناء محطات جديدة في أماكن متفرقة من إيران أهمها في منطقة الأهواز (غرب) بقيمة 780 مليون دولار، وكانت إيران قد وقَّعت اتفاقا تكميليا آخر مع روسيا نهاية العام 2001 بقيمة 1.200 مليار دولار ليكون مجموع المفاعلات التي ستساهم في بنائها موسكو خمس محطات نووية على أن يتم الانتهاء من تشييدها بحلول العام 2012 بشرط أن تقوم إيران بإعادة الوقود المُستَنفد إلى روسيا مقابل حصولها على الوقود الذري النّشِط. بطبيعة الحال فإن ذلك البرنامج النووي قد ارتهن وصفه وتشخصيه بعمليات التفتيش الدورية التي قامت وتقوم بها الوكالة الدولية للطاقة الذرية منذ مطلع التسعينات، والتي كما نعرف وبحسب آخر التقارير الواردة من فينا فإن هذه الوكالة لم تتوصّل لحد الآن إلى نتيجة قطعية عن عدم سلمية المشروع النووي الإيراني بل إن الحديث لايزال على مستوى الشكوك التي تُعززها الإدارة الأميركية، لذلك فإنني أخلص في هذه النقطة إلى أمرين: الأول هو أن طهران مُوقّعة على معاهدة إن بي تي ومعاهدة سي تي بي تي وقرار الأمم المتحدة رقم 687 عن إخلاء منطقة الشرق الأوسط من الأسلحة النووية، كما أنها مُوقّعة على البرتوكول الإضافي الذي يسمح للوكالة الدولية بالتفتيش المفاجئ، بالإضافة إلى أن الجمهورية الإسلامية ملتزمة بالمادة رقم 22 من ضمانات السلامة النووية، وقبلت بالمبادئ العامة لاتفاق باريس بشأن بند التأييد طويل الأجل للبرامج غير العسكرية، وأيضا سلمية البرنامج النووي الإيراني بحسب إفادات الوكالة الدولية التي طلبت أخيرا جدولا زمنيا لإزالة الغموض في ذلك البرنامج حسب تصريحات الوكالة الأخيرة، وبالتالي فمن غير الصحيح أن تُختزل الأمور وتوضع في نهايات لا سياق لها سوى الشكوك والافتراضات، الأمر الثاني وهو أن الكاتب العزيز قد افترض أرقاما تحتاج إلى نظر عندما قال بأن الأرقام التي ذكرها في المحصلة لا تساوي إلاّ « 10 في المئة من مجموع ما أنفقه الإيرانيون على المفاعلات النووية منذ بدء هذا الطموح النووي الإيراني الذي يجرنا لحرب إقليمية في الطريق» خصوصا وأن الكاتب قد خلط ما بين عهدين مختلفين يتقاسمان النسبة التي افترضها، وإذا ما تقرر احتساب قيمة المفاعلات المذكورة والبرامج البحثية الإيرانية خلال العشرين سنة الماضية، أو بالتحديد منذ العام 1984 فإن قيمتها المئوية لا تزيد عن الـ 3.75 في المئة مما أنفقته دول الخليج على السلاح للمدّةّ نفسها كما يُفترض في هذا المجال ذكر المفارقة القائمة، ما بين استيراد السلاح الذي ستُفسده تواريخ التسليم والمخازن العسكرية والتطور التكنولوجي وما يفرضه ذلك من إعادة شراء عتاد حربي يفي بمتطلبات الردع الجديدة، وبين مشروع نووي إيراني يتم تفريخه وتوطينه في الداخل، وإفادته لأكثر من 500 نوع من العلوم المختلفة إضافة إلى توفيره الطاقة التي ستحتاجها إيران أضعافا مضاعفة مع حلول العام 2020، وهو الأمر ذاته الذي بدأت تسعى إليه كل من مصر والسعودية، أضف إلى ذلك فإن الحديث عن مشروع نووي إيراني « عسكري « هو فتح للشر، وتهييج لا يستدعيه الظرف ولا المكان، وخصوصا أن المشروعات الشوفينية والطائفية في المنطقة تحلم في أن تجد من المبررات ما يجعلها أن تُفرغ حقدها على الجميع، وهي التي تراوح في عدائها مرة على العرق الفارسي ومرة على السمفونية الزردشتية أو المجوسية وعبدة النار بغرض تكثيف الهمجية وتكريس دواعي الصراع المُفتعلة ولا ينتهي إلاّ بصياغات حمقاء يقودها الفكر الموبوء الذي انكسر منذ أن أضفى شرعية على استسلامه وقبوله بمغتصب لأرضه يملك مئتي رأس نووي من دون أن يتطلب ذلك منه أكثر هزة كتف، بل إن ذلك الفحش الشوفيني قد أفضى لأن تكون نظم عربية مستأسدة على أخرى بل وتُشكّل لها خطرا أكثر من أي بلد آخر عبر تقويض الأمن وتشجيع قوى الانفصال... لذلك فإن على العالم العربي أن يُدرك الفهم اللائق للأشياء بمقاربات اجتماعية وسياسية وتاريخية حتى، لكي لا نُقحم أنفسنا من غير دراية في المحذور.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 1816 - الأحد 26 أغسطس 2007م الموافق 12 شعبان 1428هـ