مازال الحديث عن التربية المدنية - التي هي ليست المرة الأولى التي نكتب عنها في هذه الزاوية - غائبا في معظم الدول العربية على رغم أن البعض منها بدأ يقطع شوطا متواضعا إلا أن مستوى الاهتمام والانتشار بهذا النوع من المناهج يقع للأسف في مرحلة ضعيفة لا يتواكب مع سياق المناهج الحديثة في مجال التربية والتعليم.

فأبسط مفهوم للمواطنة الحقيقية مغيب في مناهج وطرق تدريس كتب المدارس وهذا الامر لا يعني دولة أو دولتين عربيتين بل هو أمر متفش في جميع دول هذه المنطقة التي توفر كتبا تعنون التربية الوطنية بينما هي في الواقع تحوي في مضمونها مناهج مستهلكة وغير مفيدة على الإطلاق وهو ما يتناقض ويخل بالتزام دول المنطقة أمام المجتمع الدولي، ذلك أن عضوية الأمم المتحدة تعني الاعتراف بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان وهو ما يدفع إلى وجوب تعليم مبادىء هذا الإعلان والمواثيق والعهود والاتفاقات المستمدة منه بحيث يعرف كل من يعيش في كنف الدولة حقوقه المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وهو جانب غير موجود في التربية الوطنية التي تركزعلى الواجبات ولغة الأوامر ورمزية الدولة بينما تهمل حق الإنسان وكرامته... كل ذلك يعمق الهوة بين الدولة والمجتمع بل ويحدّ من عملية تطوير المجتمع المدني وترسيخ أسس احترام حقوق الإنسان في المجتمعات العربية خصوصا وأن مهمة التربية المدنية بناء مواطن المستقبل وهي ليست محصورة بالقطاع التربوي ولكنها مشروع مجتمعي يجب أن تشترك فيه كل المؤسسات والجهات التي تؤثر على تكوين معارف وسلوكيات وقيم المواطن من المدرسة إلى الجمعيات الأهلية إلى وسائل الإعلام والهيئات الحكومية والأحزاب السياسية وغيرها من الهيئات الفاعلة.

إن أساليب التربية المدنية الحديثة تتوافر فيها البرامج التي تنقل السلوكيات والمهارات التي تمكنها من لعب دورها وتحمل مسئوليتها في تعريف وتعليم النشء بمفاهيم مبسطة عن الديمقراطية والعدالة وحقوق الإنسان في جمل ورسومات توضيحية مبسطة حالها حال كتب تعليم اللغة العربية على سبيل المثال. من هذا المنطلق لابد من أن تتركز الجهود عبر تنسيق وتعاون أكبر وعصرنة المناهج بحيث تستطيع أن تستجيب إلى طبيعة حاجات مجتمعاتنا.