العدد 1814 - الجمعة 24 أغسطس 2007م الموافق 10 شعبان 1428هـ

حينما «يتدلع» سمك البحرين بيئيا!

خالد المطوع comments [at] alwasatnews.com

«أرجوكم، لنلتزم بنصف دقيقة من الصمت حدادا على روح البيئة البحرينية» كانت تلك شارة وتنهيدة البدء التي أطلقها الخبير البيئي الكويتي القدير مبارك العجمي قبل أن يبدأ في سرد ملاحظاته وقراءاته العلمية بشأن أوضاع البيئة في البحرين وواقع التلوث البيئي المتفشي في بحار وبراري وأجواء وطننا الحبيب الذي كان بالأمس درة العقد الخليجي، فإذا به الآن كبده المدودة والمنخورة بالفساد والتلوث والأزمات المفتعلة!

وقد أتى هذا الحداد وتلك التنهيدة الساخنة هذه المرة من الخبير البيئي والأكاديمي المختص المكافح بشدة لما أطلق عليه بـ «تسييس» القضايا البيئية لا «الناشط السياسي» في عرف الدولة الدائبة على تسييس القضايا فوقيا لإبعاد الحيوية عنها وحصرها في زوايا مغلقة لا منفذ لها، وذلك بعد أن شاهد حضور الندوة فيلما قصيرا عن «المعامير... أرض الموت» والذي تطرق بشكل موجز إلى أزمة تلك القرية الصغيرة التي أصبحت بفضل العبقرية التخطيطية للدولة المرادفة لإهمال و«تطنيش» رسمي متواصل موطنا قوميا للسرطان والالتهابات الرئوية والتقرحات الجلدية الخطيرة وغرفا بائسة للإجهاض والجنون وسائر أنواع العاهات والتشوهات الخلقية (وقانا الله وإياكم)، والتي عقب عليها أحد أهالي القرية موجها نداء للمسئولين المعنيين بالمحافظة على البيئة، والذين اهتموا بحظر صيد البلابل وصرحوا بما هزل ولا يعقل عن خليج توبلي في حين أنهم سكتوا دهرا عن الإبادة الجماعية لأهل «المعامير» التي ينفق فيها البشر لا البلابل والأسماك!

استطاع العجمي وفي لحظة قياسية جدا، وذلك مقارنة بسائر الندوات الرائعة والجادة التي عكفت على تنظيمها جمعية العمل الوطني الديمقراطي (وعد) لوحدها من بين صفوف جمعيات أخرى، أن يكشف كالطبيب المختص عن جروحنا البيئية المفتوحة، وعن وافر من التقرحات والالتهابات في الجسد البيئي البحريني بدءا من «حديقة المطار» التي تم تشييدها بالقرب من بيئة ملوثة ضوضائيا تؤهل نسبة كبيرة من قاطنيها للإصابة بالصمم الجزئي والكلي، ناهيك عن ري الحدائق بمياه الصرف الصحي المعالجة وأضرارها الخطيرة على الصحة والبيئة وخصوصا الأطفال، وحتى الشوارع التي استبدلت فيها «الدوارات» بالإشارات الضوئية وهو ما يزيد من مخاطر التلوث البيئي أضعافا!

لقد كانت من دون شك مفاجأة الندوة التي أعلنها العجمي من منبر «وعد» واعتبرها الانتكاسة الأكبر بيئيا في البحرين هي اكتشافه بمعية صحافيين زملاء لمردم مكشوف لنفايات صناعية صلبة سامة لا يحمل أيا من الشروط والمعايير البيئية وذلك قرب موقع «أسري»، وأشار خلالها إلى أن مخاطر وآثار تلك الملوثات الصلبة السامة في المردم المكشوف قد تشمل جميع مناطق جزيرة البحرين الصغيرة حتى «الزلاق» في أقصى الجنوب!

كما أنه تطرق إلى أزمة «خليج توبلي» التي بدأها متسائلا عن عدم تطبيق المرسوم الملكي بشأنه، وتناول موضوع أسماك الخليج النافقة والملوثة التي ما زال المسئولون البيئيون وفي وزارة الصحة يصرون بشكل غريب على سلامتها من «الآه» على رغم كونها نافقة، بل إن أحدهم أخذ يتحدث عن أخذ عينات وتحليلها لأسماك الخليج المنكوب أثبتت صلاحيتها للاستهلاك البشري الأمر الذي رد عليه العجمي ونقضه علميا من أساسه معتبرا أنها عينات مائية وليست لتشريح الأسماك التي لا توجد مختبرات لتشريحها وتحليلها إلا في الدول المتقدمة والكبرى، واستغرب كيفية تأكيد سلامة وصحة الأسماك التي أجريت عليها التحليلات المزعومة على رغم كونها نافقة!

فهل نرى في تلك التصريحات الرسمية ونقرأ من خلالها بأن الأسماك النافقة في خليج توبلي «تتدلع» وتتدلل بيئيا وتبحث عن الرفاهية فتتظاهر بالموت، أم أن هذه الأسماك الحاقدة الخبيثة تمارس بذلك نوعا من التقية السياسية لتؤزم الأمور وترخي أعصاب الولاء؟!

الأدهى من ذلك في اعتقادي هو أن تلك التصريحات الحازمة والجازمة علميا التي رددها أحد المسئولين البيئيين بشأن سلامة أسماك خليج توبلي قد تدفعنا حتما لسؤاله بصريح العبارة عن حقيقة ما يحمله من مؤهلات علمية وخبرات عملية اختصاصية تخوله وتضمن له إطلاق تلك التصريحات التي تمس حياة البشر القاطنين على هذه الجزيرة!

لا يمكن أن يكون هنالك موقع من الإعراب لنظرية «خذوهم بالصوت» في خضم قضايا بيئية مصيرية تتوقف على حلها أو تأزيمها حياة بشر ومخلوقات حيوية وموارد طبيعية في هذه الجزيرة!

هل سيكون هذا المسئول مستعدا لتوسيع ذمته لتشمل جميع الضحايا في حال ثبت بطلان تصريحاته؟!

لماذا يزيد هؤلاء المسئولون الطين بلة في تصريحاتهم المثالية غير الموزونة واقعيا وسطحيا قبل أن تكون موزونة علميا ومنطقيا ما يبعث هذا المواطن المسكين الحيران على تجشم عناء الضحك الأغبر؟!

وعلى رغم من اعتراض العجمي الشديد على ما أسماه بــ «تسييس» القضايا البيئية في البحرين الأمر الذي يجمد هذه القضايا ويجعلها عصية على الحل، وتأكيده على الاعتماد على النهج العلمي في التعامل مع القضايا البيئية، إلا أن الجدل الواقعي الذي احتدم بين العجمي والحاضرين قاده إلى التسليم واقعيا بملاحظات رآها وألفها في البحرين على رغم من كونها أمور سياسية أساسية تتداخل فيها السياسة بلا شك، بالإضافة إلى جوانب وأبعاد أخرى، ومنها ما يتعلق بغياب ثقافة الاعتذار بين المسئولين في البحرين أضف إلى ذلك ما أدى إليه التخبط المزمن وانعدام التخطيط وفقدان الالتزام بالمعايير السليمة على جميع المستويات من انعكاسات بيئية خطيرة يدفع المواطن ثمنها غاليا حينما تنعدم الشفافية التي لا ترممها تصريحات رسمية متهافتة هنا وهناك لا تقنع عاقلا ولا تليق بحجم الأزمة، بل إن البرلمان بسلطاته وصلاحياته المتواضعة يبدو عاجزا عن الإتيان بأية خطوة أو مبادرة فعلية، وهذه الملاحظات الواقعية الصريحة التي أبداها العجمي تضمنت بالإضافة إلى ذلك دعوة إلى نضال بيئي مدني، وسعي محموم يقود إلى تأسيس محكمة بيئية والاستفادة من تجربة الكويت الشقيقة في ذلك عسى أن يؤدي ذلك إلى الردع قضائيا ويكفل سلامة الجميع ويوقف المتجاوزين عند حدودهم!

وبالنسبة لي فإنني أرى ما نحن بحاجة ماسة إليه هو نوع من التدبير السياسي العاقل في التعامل مع القضايا البيئية المؤثرة مصيريا في وجودنا الحيوي، ومثل هذا التدبير السياسي الوطني قد يفتح قنوات تواصل ضرورية مع جميع الأطراف وربما يساعد على معالجة تلك الأزمات، ولسنا بحاجة إلى تسخير سياسي تصبح فيه هذه القضايا قابلة للطأفنة وعرضة للابتزاز السياسي، وتدخل ضمن تصفية الحسابات بين الأطراف السياسية المختلفة مهما اختلفت النوايا ما من شأنه أن يحجمها ويعوق من فاعليتها ويمتهن وجودها النوعي كما قد يجيد ذلك بعض نشطاء الداخل - الخارج بفعلهم «الاستجلابي»، فشتان بين ضرورة التدبير السياسي العملي الرامية إلى إنصاف واستنهاض المصلحة العامة من جهة، ومؤدى انحلال التسخير السياسي ذو الآفاق المصلحية الخاصة والنهايات الأكثر خصوصية في الجهة الأخرى!

إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"

العدد 1814 - الجمعة 24 أغسطس 2007م الموافق 10 شعبان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً