يوم الاثنين الماضي، سجّل التلفزيون الليبي الرسمي سبقا صحافيا على وسائل الإعلام العالمية ببث مباشر وحصري، لخطبةٍ جديدةٍ لسيف الإسلام ابن الرئيس الليبي معمر القذافي. وأعلن سيف الإسلام عن نيته وضع دستور للجماهيرية التي كانت مملكة دستورية قبل أربعين عاما، يحكمها دستور 1951 الذي ألغاه القذافي الأب في الفاتح من سبتمبر، لأنه لا يحب الدساتير والأمور الشكلية والتسميات الرسمية!
الجماهيرية التي كانت «تسيّر» بالبركة وسلسلة الكتب الخضراء وليس بالدساتير والكلام الفارغ، اكتشف ابن الزعيم فجأة ان «التحدي القادم هو وضع حزمة من القوانين التي يمكن أن نسميها دستورا أو عقدا اجتماعيا أو غيرها»، ليس المهم الاسم، دستور، عقد اجتماعي، عقد ولاء أو بيعة أو حتى عقد نكاح... المهم انه «عقد ينظم حياة الليبيين»!
مع ذلك لم يفت سيف الإسلام أن يحدّد «خمس خطوط حمراء لابد أن نتفق عليها: الإسلام وتطبيق الشريعة، وأمن ليبيا، ووحدة التراب الوطني... و(الأهم) معمر القذافي». ولابد من التسليم والإيمان بما يقوله الزعيم وابن الزعيم وحفيد الزعيم، فهم لا ينطقون عن الهوى، حتى لو وضع القرآن والشرع والبلد في كفة، والزعيم في كفة أخرى.
وإلى جانب الإيمان والانقياد والسمع والطاعة، فإن الشعب الليبي يجب ألا ينسى جميل سيف الإسلام، فقد أشار إلى أن بعض المؤسسات يجب ألا تتبع أحدا، وهي «المصرف المركزي والمحكمة العليا والمؤسسة الإعلامية والمجتمع المدني»... ففي الجماهيريات الدستورية العظمى، أهم شيء أن يكون هناك فصلٌ بين السلطات السياسية والقضائية والمالية والمدنية... وحتى السلطة الرابعة المستقلة تماما عن كل السلطات!
الفصل بين السلطات لن يكون مهمة صعبة، خصوصا في المجال الإعلامي، فمن أوضح الأمثلة على استقلاله ما نقله التلفزيون الليبي عن مظاهرةٍ خرجت ضد الحكومة كان يقودها العقيد القذافي نفسه، فتم اعتقاله وعرضه للتحقيق، ولكن المحققين اكتشفوا أن من يقف أمامهم هو العقيد القذافي نفسه، فاعتذروا له وقاموا بتسريحه، ولكن لم يوضّح التلفزيون كيف لم يتعرف المحققون على الرئيس الذي يطل عليهم من التلفزيون كل صباح ومساء؟ كما لم يوضّح للمشاهدين هل أعادته سيارة المخابرات إلى قصره أم إلى الشارع ليواصل قيادة المظاهرة ضد حكومته!
عموما... إعلان سيف الإسلام عن قرب مجيء الدستور، لم يكن في غرفةٍ مغلقة، وإنما كان في حشدٍ جماهيري ضخم ضمّ أكثر من 40 ألف شخص، دعاهم فيه إلى «حوار كبير يشمل الشعب كله لنصل في أقرب وقت إلى الصيغة المثالية لهذه القوانين»، فالعجلة من الشيطان إلاّ في حال وضع الدساتير التي تنظّم حياة الراعي والرعية!
وللتاريخ، لابد أن نذكر بأنه في العام 1977 تم وضع «دستور مؤقت»، بعنوان «وثيقة قيام سلطة الشعب» للتعبير عن تبني النظام «الجماهيري الليبي الشعبي الديمقراطي الاشتراكي».
على الصعيد الاقتصادي، لم ينس سيف الإسلام الإشادة بنتائج تطبيق خطته الاقتصادية الإصلاحية التي تفضّل بإطلاقها العام الماضي، لينعم أبناء الشعب ببيت لكل مواطن. وانتقد بشدة ما أسماه «مافيا المسئولين»، التي تعارض الإصلاحات السياسية والاقتصادية، وتقف حجر عثرة أمام تقدّم البلاد وانطلاقها للوصول إلى مصاف الدول العظمى ذات الديمقراطيات العريقة.
أليس الله يحبنا حبا جما؟ شعوب العالم تحصل على ديمقراطيتها وبرلمانها بعد مظاهرات ورصاص مطاطي ومسيلات دموع وحروب... ونحصل عليها نحن العرب في خطبةٍ بالمجان
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1813 - الخميس 23 أغسطس 2007م الموافق 09 شعبان 1428هـ