دخلنا عليها الدار وجدناها في محرابها تصلي صلاة الحاجة، استقبلتنا بالدموع والحسرات على غياب بدرها، على غير عادة مر شهر قمري دونما بزوغ، لم يكن يدور في خلدها يوما أن تفقد بدرها على حين غرة، ذلك الطفل الذي كان ما فتر من الجري حولها والحديث إليها يحدوه في ذلك شقاوة الطفولة وبراءتهم، ولكنه غاب ولم يعد. لاتزال تنظر بالباب وتسأل هل من عودة؟ فيا ترى من غيّب بدرها؟
تلك الدار القابعة على أطراف سماهيج أصبحت مقصدا لنساء البحرين من مختلف الاتجاهات؛ للتخفيف من آلام الفرقة ولوعة الفقدان؛ والمشاركة في حمل الهم والدعاء بالرجوع، ولكن الجميع يشعرون بالعجز وخيبة الأمل، إذ يرون الأسباب ويلمسون النتائج، وهم في الوقت ذاته مدركون أن الأمنيات وحدها هنا لا تكفي، هناك أمور ينبغي الالتفاف لها وأخذها في الاعتبار، حتى لا يصبح لدينا بدر مفقود آخر.
ما الذي جعل بدر يلتمس الطريق، عند باب منزله سبيلا للعب؟ أليس ضيق المكان وقلة تهويته وتلاصق جدران غرفه كانت مفرا للكبير قبل الصغير؟ بيت يجعلك تختنق من الداخل. حصل بدر قبل اختفائه بأيام قلائل عندما كان يحتفل بعيد ميلاده الثالث على دراجة، لم يكن في بيته متسع للعب فيها، فغادره إلى الخارج عله يجد متسعا، ولكن الخارج كان أكثر ضيقا عليه من الداخل. من المسئول عن تهاوي بيوت الفقراء؟ بل من المسئول عن سكن أكثر من عشرة أفراد في بيت لا يسع إلا شخصين؟ بيت فاقد للأهلية للعب الأطفال بل لسكنهم ولمبيتهم، هل ينتظر كل بيت منها فاجعة كي يتم إنقاذه؟
أحزمة من البيوت تنتشر بيننا هي اقرب إلى أحزمة الفقر في أميركا الجنوبية وشرق آسيا. غياب بدر كشف لنا عن أن بيوتا كثيرة بحاجة إلى إنقاذ سريع، وأن مشروع البيوت الآيلة للسقوط الذي تبناه جلالة الملك هو مشروع جدي ونافع، ولكن يجب أن يفعّل بشكل أوسع وآلية دقيقة وتعطى الأولية لمن له الحق.
لم يكن اختفاء بدر مرهونا فقط بطبيعة المكان وقلة الحيلة، ولكن المسألة أبعد بكثير، هناك آفة تحرق أجسامنا بشكل مخيف، ألا وهي العمالة الآسيوية المنتشرة في المناطق السكنية وخصوصا الأحياء القديمة منها. عمالة تعيش حالا من الجهل والفقر وسوء الاستغلال. وجودهم بيننا بات خطرا علينا، يمشون بين الأزقة وكأنهم في ربوع بلادهم، تخشى الناس على أبنائها منهم، كيف لا؟ وهم بشر تنتزعهم الحاجة ولا يردعهم فيها دين ولا ورع ولا إنسانية.
أما آن الأوان لنوابنا الأفاضل الضغط على الحكومة لإصدار قانون يمنع أصحاب الأعمال إسكان عمالهم العزاب في المناطق السكانية، على ان يتم توفير مناطق خاصة بالعمالة الوافدة كما فعلت الكويت عندما حصرت عمال الفلاحة والبناء في منطقة خيطان. وفوق ذلك كله وزاد الأمر خطورة هو وجود العمالة السائبة - ما يطلق عليهم «الفري فيزا» - إذ أصبحوا يتنقلون بالدراجات يمنة ويسرة دونما رادع وبات من الصعب السيطرة عليهم على حين أصبح الجميع يخاف على بيته وعلى ماله وعلى عرضه منهم، فهل هناك حل سريع يا وزارة العمل؟ وإلى متى يستفيد الكبار على حساب الصغار؟
بيت بدر محاط بمزارع مهجورة، مليئة بالحشرات على أنواعها، فضلا عن الثعابين والفئران، والضمي والأشواك، أهالي المنطقة ملوا الشكوى من دون فائدة ترجى. أماكن خطرة مسورة بأسوارة متهالكة، لا يؤمن من دخلها، وخصوصا من صغر سنه وضعف بدنه، وهي تمثل ملاذا آمنا لارتكاب الفاحشة والجريمة، وجاءت أعمال الحفريات لتزيد من دائرة الخطر حدة واتساعا، إذ إن الحفريات تترك من بعد الظهيرة بشكل غير آمن من دون حراسة.
نتساءل كيف لأم بدر ان تحمي طفلها من مزارع خطرة؟ أم من حفريات غير مؤمنة؟ أم من عمالة أجنبية تسكن حولها؟ وكل ذلك محاط بالفقر والحاجة، وغياب الولي وقلة الحيلة وضيق اليد، نلتمس العذر منك يا أمَ بدر فكلنا مسئولون فبدرنا غاب ولم يعد؟
إقرأ أيضا لـ "رملة عبد الحميد"العدد 1812 - الأربعاء 22 أغسطس 2007م الموافق 08 شعبان 1428هـ