هي البلاد الممتدة من موريتانيا، التي منَ الله عليها بمجموعة من خيرة العرب من الضباط الأحرار الذين أرسوا ركائز الديمقراطية، إلى الخليج العربي. هذا الخليج الذي تحولت فيه نعمة النفط ومردوده المالي إلى نقمة يلاقي بها المواطن الخليجي أشد صنوف القمع والقهر وتكريس الاستعباد، واستغفال الإنسان، وامتهان كرامته وانتهاك ابسط حقوقه في الاعتقاد والتعبير، فضلا عن المشاركة في حكم وإدارة البلاد.
قامت الدول العربية بعمليات قمع ممنهجة لكل أصوات المعارضة الداعية إلى تطبيقات مبادئ حقوق الإنسان. وأصبحت بلاد العرب الحاضن النموذج لكل ما هو رديء وسيئ، بدءا من انتهاك الحقوق الأساسية للفرد، وصولا إلى الحق في المشاركة السياسية في إدارة وحكم البلاد.
الشعوب العربية، تقبع تحت أسنة ورماح قوانين الطوارئ والأحكام العرفية. بدءا من مصر وسورية وليبيا وتونس والسودان والعراق، والبقية لديها قوانين شبيهة لقمع حركات التحرر والحقوقيين تحت مسميات قانون مكافحة الإرهاب وغيرها... وبعض البلاد العربية تحكم بلا دساتير! ومع ذلك فإن أبواق الأنظمة السياسية العربية ما فتئت تتحدث عن التنمية والتطوير السياسي! فأي تنمية لا تطال الإنسان وحقوقه الأساسية هي أباطيل، وكلام فاضي «مأكول خيره».
الأبواق الإعلامية والكتبة الذين رهنوا أقلامهم لدى دوائر القمع والاستبداد، ويقتطع لهم من خزانة الدولة ومن أرزاق الفقراء والمساكين، لكي يقوموا بتلك المهام القذرة؛ مهام تزييف الحقائق وقلب الصورة رأسا على عقب، ويشتغلون كـ «مكينات» لتزييف الوعي العربي وإبقاءه رهينة مكامن الجهل والأمية. هذه الأبواق الرخيصة التي تساوم على قضايا الوطن والمواطن، هي التي تخلق البطانات الفاسدة، من خلال عمليات تلميع ما تقوم به الأنظمة السياسية البائسة، والشخصيات الفاسدة التي تتسنم المراكز المهمة في دوائر صنع القرار في البلاد العربية.
اليوميات التي تجري في بلادنا العربية، تؤكد فساد السلط السياسية في العالم العربي، وتخاذلها تجاه قضايا الوطن والمواطن.
وما دام الحديث عن حقوق الإنسان، فإن مصر، نعم مصر القائدة، مصر الريادة، مصر المشروع القومي العروبي، مصر الماضي والحاضر، مصر العمود الفقري الأساسي لأي مشروع عربي حقوقي. تقبع هذه البلاد العزيزة، في القائمة السوداء في مجال حقوق الإنسان، إلى الحال الذي وصلت إليه أن تطلب الخارجية الألمانية من السياح الألمان مقاطعة مصر لأنها من الدول التي تنتهك حقوق الإنسان! هل للعرب قائمة في مجال حقوق الإنسان من دون مصر؟! طبعا لا.
يعاني المواطن المصري من كل أشكال انتهاك حقوق الإنسان، فالدولة في مصر هي النموذج السيئ جدا في هذا المجال. نموذج سيئ في انتهاك حقوق العامل والفقير ومن هم بلا ظهر أو ظهير.
شأن العرب مع مصر هو شأن اللازمة الوجودية لحياة الإنسان، وهي بمكان القلب الذي يضخ الدماء إلى بقية الجسد، ولا حراك للجسد من دون قلب سليم يضخ دماء الحياة فيه... وما دام القلب لا يعمل، أو هو يعمل بصورة غير سليمة، فإن الجسد يترنح يمينا وشمالا من دون بوصلة تحدد وجهاته بصورة صحيحة. وهكذا حال العرب بلا مصر.
مصر التي نتحدث عنها في مجال حقوق الإنسان، هي الدولة التي يقبع شعبها تحت قانون الطوارئ لأكثر من ربع قرن من الزمان، أي منذ العهد -الجمهوركي- الوراثي الجديد الجاثم على صدور النا س! فأي حقوق إنسان في ظل قانون طوارئ يسير بالبلاد والعباد من نفق مظلم، إلى آخر أشد ظلاما وإيلاما على البشر وانتهاكا لحقوقهم. وما دامت مصر تئن تحت وطأة هذه القوانين فلن يهنأ العرب أبدا أبدا.
إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"العدد 1811 - الثلثاء 21 أغسطس 2007م الموافق 07 شعبان 1428هـ