العدد 1811 - الثلثاء 21 أغسطس 2007م الموافق 07 شعبان 1428هـ

أزمة المياه (2/2)

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

ولعل الماء هو أحد أكثر الحدود وضوحا، التي أصبحت تفصل اليوم بين أغنياء العالم وفقرائه. فمعدل استهلاك الفرد للمياه في أميركا الشمالية يقدر بـ 400 لتر في اليوم، وفي أوروبا 200 لتر في اليوم، أما في الدول النامية فلا يتجاوز متوسط معدل استهلاك الفرد اليومي من المياه 10 لترات فقط بسعر يفوق سعر الماء في الدول الغنية. وعلى صعيد آخر تنتشر في المناطق الفقيرة ظاهرة تلوث مياه الشرب بسبب صرف المجاري أو مخلفات المصانع في الأنهار وغيرها من مصادر المياه العذبة، ووفقا لمنظمة الصحة العالمية فإن أربعة أخماس الأمراض في العالم يمكن إرجاعها إلى تلوث مياه الشرب.

لقد تردت أوضاع الإنسان إلى درجة أصبحت المياه الصالحة للشرب سلعة عزيزة، إذ فاق سعرها في بعض الأماكن سعر البنزين. فعلى رغم أن المياه تغطي سطح الكرة الأرضية بنسبة 72 في المئة، إلا أن نسبة المياه الصالحة للشرب لايتجاوز 0,3 بالمائة من مخزون المياه في الكرة الأرضية. ووفقا لتقرير الأمم المتحدة لعام 2006 فإن 20 في المئة من سكان الأرض (1,1 مليار إنسان) يفتقرون إلى موارد عذبة للمياه، وستزيد هذه النسبة لتصل إلى 30 في المئة من السكان العام 2025. بينما يفتقر 2,6 مليار إنسان (%40 من سكان الأرض) إلى شبكات للمجاري والصرف الصحي.

وبيّن تقرير للبنك الدولي بشأن أزمة المياه العالمية أنّ 80 في المئة من أمراض مواطني العالم الثالث تُسببها المياه الملوثة، وأن 10 ملايين شخص يموتون سنويا للسبب نفسه، وأن هناك مليار شخص في الدول النامية يُعانون من نقص مياه الشرب النقية. كما بين التقرير أنّ 80 دولة في العالم تضم 40 في المئة من سكانه، مهددة بنقص المياه، وأن القرن المقبل سيشهد تفاقم الأزمة وتأثيرها على الزراعة والصناعة والصحة العامة. والنتيجة الأهم لنقص الموارد المائية أن الصراع في المستقبل سيكون حول مصادر المياه، وأن هذا الصراع سيشمل نصف سكان الأرض. ويشير معهد الرصد العالمي إلى تقلّص المساحة الزراعية المروية في العالم بحوالي 7 في المئة خلال العقد الماضي، وهكذا يستهلك العالم حاليا من الطعام أكثر مما يُنتج، ولولا اعتماد كثير من الدول الفقيرة على المخزون العالمي للحبوب، لعمّت فيها المجاعة، وإن استمرار الجفاف في العالم سيجعل الأمن الغذائي العالمي في خطر كبير.

وتشير التوقعات إلى زيادة حدة المشكلة في المنطقة العربية مع الضغوط المتنامية للزيادة السكانية وتزايد المتطلبات الغذائية. فالوطن العربي يملك من شرقه إلى غربه 1 في المئة من المياه العذبة المتاحة في العالم مع أنه يضم قرابة 5 في المئة من سكان الأرض ولديه تزايد سكاني مرتفع جدا وهذا الواقع يجعل معظم دوله تحت خط الفقر المائي الشديد أي أقل من 1000م3 للفرد سنويا. لذلك تذهب بعض آراء الخبراء إلى أن المياه قد تتحول إلى سبب للحروب المقبلة بسبب النقص المتزايد في هذه الثروة الطبيعية الحيوية. على سبيل المثال النزاع حول نهر الحاصباني بين «إسرائيل» ولبنان، إضافة إلى الخلاف بين دول حوض النيل حول حصة كل دولة، وأيضا الخلاف التركي السوري العراقي بسبب السدود التي تبنيها تركيا على منابع نهري دجلة والفرات.

لكن مشكلة نقص المياه لاتقتصر على الدول النامية فحسب، إنما تشمل أيضا الدول الغنية. فقد أعربت المفوضية الأوروبية أخيرا عن قلقها الشديد من النقص المستمر في مصادر المياه في أوروبا. فوفقا لدراسة حديثة أجرتها المفوضية فإن غالبية الدول الأوروبية تستهلك كمية من الماء تفوق مخزونها، ما قد يؤدي على المدى الطويل إلى انخفاض منسوب المياه الجوفية. يذكر أن بعض المصانع في ألمانيا اضطرت إلى إغلاق أبوابها العام 2003 نتيجة لنقص المياه.

وتتابع الدراسة أن 40 في المئة من الماء المستهلك في الاتحاد الأوروبي يمكن توفيره، فمثلا تتسرب من المواسير الهالكة في اسبانيا وإيطاليا سنويا ما يقرب من نصف كمية المياه العذبة، لكن المشكلة الرئيسية كما ترى الدراسة هي الماء المهدور في عملية الري الزراعي. ومن الطبيعي أن تستمر أزمة المياه مع الحاجة المتزايدة إلى مصادر للتغذية، إذ يزيد استهلاك المياه في عمليات الري الزراعي. ونظرا لمساعي الأمم المتحدة لتحقيق أهداف الألفية التي تتضمن خفض نسبة الفقر إلى النصف بحلول العام 2015 فإن كمية المياه المستهلكة في الزراعة قد زادت بشكل كبير أخيرا.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 1811 - الثلثاء 21 أغسطس 2007م الموافق 07 شعبان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً