آخر ما يتوقعه المواطن في ظل هذا التردي في المستوى المعيشي، رفع الدعم عن السلع. التصريحات الرسمية المتكررة حيال ذلك، لم تنطلق من فراغ، إذ لا دخان بلا نار. وآخر هذه التصريحات ما صدر عن الرئيس التنفيذي لمجلس التنمية الاقتصادية، الشيخ محمد بن عيسى آل خليفة، وذلك أثناء خطابه في المؤتمر السنوى الرابع للشباب في جامعة البحرين في الصخير. وقبله وبتاريخ 1-6-2007 طالعتنا صحيفة «الوسط» بخبر على لسان وزير الصناعة والتجارة حسن فخرو، مفاده أن صرف علاوة المعيشة لذوي الدخل المحدود أو المساعدة بالكوبونات قد يدفع الحكومة لرفع دعمها عن السلع الرئيسية، غير أن تصريحات رئيس الوزراء بتاريخ 6-6-2007 أكدت على بقاء الدعم، وبعد يومين وفي تاريخ 8-6-2007 نشرت صحيفة «الوسط» ونقلا عن عضو اللجنة المالية بمجلس النواب النائب عبد الجليل خليل، أن وزارة التجارة والصناعة رفعت دراستها لمجلس الوزراء من أجل رفع الدعم عن السلع وتوجيه الدعم ليقتصر على الأسر ذات الدخل المحدود. ورفع الدعم لن يضر بالمواطنين ذوي الدخل الجيّد، لأن مقدار الدعم 12 مليون دينار سنويا، وإذا افترضنا أن عدد السكان تقريبا 900 ألف، يصبح متوسط نصيب الفرد الواحد من السكّان لا يزيد عن 1.1 دينار شهريا تقريبا أو 13.33 دينارا سنويا.
وحين يذكر الوزير فخرو أن الدعم سيوجه لذوي الدخل المحدود، فهذا يعني أن الدخل الشهري سيكون هو المعيار لتحديد المستحقين، وهذا معمول به في بعض الدول الخليجية فيما يتعلق بتوفير السكن، كدولة قطر (لا أعتقد أنهم بحاجة لمثل هذا القانون حاليا) فقد صدر هناك ( قانون رقم (1) لسنة 1964 الخاص بإنشاء نظام للمساكن الشعبية) يعرّف ذوي الدخل المحدود من خلال الدخل الشهري الذي يتراوح بين 400 إلى 1200 ريال، ...طبعا هذا قبل 43 سنة وليس الآن. كذلك، فإن دستور البحرين حين ذكر ذوي الدخل المحدود في المادة 9 بند (واو)، ربط ذلك بحقهم على الدولة بتوفير السكن لهم : «تعمل الدولة على توفير السكن لذوي الدخل المحدود من المواطنين». غير أنه ولحد هذا اليوم، لم تُقدم دراسة تحدد وتعرّف من هم ذوي الدخل المحدود.
وبما أن الدخل الشهري كما يُفهم من الخبر سيكون هو المعيار، لهذا ينبغي أن يكون تعريف ذوي الدخل المحدود صادرا بقانون، يحتوي مادة تستوجب إعادة النظر في هذا الدخل بين فترة وأخرى، حتى لا يصبح الدخل المنصوص عليه في القانون المقترح بعد سنوات وكأنه مصروف جيب لتلميذ الثانوية. وهذا معمول به في بعض الدول فيما يتعلق بتحديد خط الفقر كالولايات المتحدة الأميركية، إذ يتم إعادة النظر في خط الفقر لتقليل آثار التضخم وارتفاع كلفة المعيشة، وتغير الأسعار. ومن دون ذلك، ستكون الموافقة على قرار رفع الدعم العام عن السلع فيه إضرار لعامة الناس والكثير من الأسر التي دخلت أعداد كبيرة منها تحت خط الفقر، وما زالت أفواج أخرى تدخل تحت هذا الخط، نتيجة تراجع الدخل لغالبية المواطنين، مع زيادات صاروخية في أسعار الكثير من السلع العينية والخدمية الضرورية.
ونضرب مثالا لأهمية إعادة النظر في تعريف ذوي الدخل المحدود بين فينة وأخرى بوزارة الإسكان، التي ترفض تقديم خدمة قرض بناء لأي أسرة يصل دخلها مجتمعة لـ 1200 دينار مع أن هذا القرار قديم جدا، وهذا الدخل في الوقت الحالي لا يسع الفرد شراء أرض وبناءها من البنوك التجارية، خصوصا وأن الأراضي وصلت أسعارها لأرقام خيالية مقارنة بما قبل عشر سنوات، إذ زادت في هذه المدة أكثر من 1000في المئة أي عشرة أضعاف السعر في أكثر المناطق، فمثلا في المالكية كانت الأراضي سنة 1997 لا تزيد عن 900 فلس للقدم، وحاليا وصلت لأكثر 8.5 دنانير للقدم الواحد، أما المناطق القريبة من العاصمة كالديه والسنابس، فلا مقام لأهلها فيها إلا بالتمدد العمودي وشراء الشقق، إلا ان يتم دفن البحر لهذا الغرض. ويكاد يكون من المستحيل وجود قطعة أرض سكنية صغيرة في البحرين، لا تزيد مساحتها عن 400 متر مربع، ويقل سعرها عن 45ألف دينار. وبذلك أصبحت كلفة الأرض السكنية، تفوق كلفة بناء منزل صغير من دورين.أما وزارة الإسكان التي جمدت قرار الـ 1200 دينار كل العقود الماضية، أعادت إحياءه حاليا من دون النظر في مثل هذه الظروف الجديدة، أو أعداد الأسرة، وتغيّر كلفة البناء، والتي حتما ستدخل الأسرة ذات الدخل البالغ 1200 دينار لنطاق ذوي الدخل المحدود وتدفع بهم تحت خط الفقر لو أقاموا منزلهم بقروض من البنوك التجارية، وذلك نتيجة الأقساط الشهرية العالية والفوائد الربوية الكبيرة جدا، إذ لن يتبقى لهم من الراتب إلا صبابة كصبابة الإناء.
ولهذا فقبل رفع الدعم العام عن السلع، لا بد من قانون مرن يلاحظ مختلف الجوانب وتبدل الظروف، وعدد أفراد الأسرة وتغير أعدادهم ودخلهم، ومشكلة التضخم، مع وضع الأسعار الجديدة في الاعتبار لتعريف ذات الدخل المحدود، وليس قبل رفع الدعم، وذلك كله من أجل أن لا يتسبب هذا القرار في تملص الدولة التدريجي مستقبلا من المسئوليات الدستورية الواقعة على عاتقها في ضمان المعيشة الكريمة للمواطنين. وأشك أن تسعى الجهات المعنية بإصدار قانون لتعريف ذوي الدخل المحدود، ومن هذا المنطلق، ينبغي الرفض البات لرفع الدعم عن السلع. ولو صدر مثل هذا القانون، سنفاجأ، إذ سيكشف مدى اتساع الفقر، ومدى تقلّص الطبقة الوسطى، ما يثبت فشل السياسات الاقتصادية أثناء الفترة الماضية. وهذا الوضع المتردي، قائم مع الارتفاع الكبير في سعر النفط الذي تخطى 60 دولارا، وارتفع اعتماد الموازنة العامة على دخل النفط بنسبة أكثر من 75 في المئة ، إذا كيف تتصوروا حالنا لو بقي سعر النفط 13 دولارا كما كان قبل العام 1998؟
إقرأ أيضا لـ "عباس هاشم"العدد 1811 - الثلثاء 21 أغسطس 2007م الموافق 07 شعبان 1428هـ