قدمت شابة لم تبلغ العشرين من العمر ورشة لمجموعة من الأطفال عن «القائد والمهارات القيادية». ساعدتها شابتان الأولى تكبرها بسنة وتصغرها الثانية بسنة ليقربا ما تشرحه لفهم الأطفال وليحولوه نحو قيادة العمل البيئي بالذات. الشابة الأولى هي زينب العرادي (التي أحب فيها حبها للمزارع ودفاعها عنها) والأخريتين هما صفاء عبدالغني (إحدى مشرفات لجنة ريم للقادة البيئيين الصغار) ووسن نبيل (رئيسة سابقة للجنة ريم) والشابات الثلاث عضوات نشطات بجمعية أصدقاء البيئة، تتلمذن على أيدي قياداتها عن قرب.
ورشة المهارات القيادية التي عقدت بجمعية أصدقاء البيئة يوم الخميس الماضي أثارت اهتماما وتساؤلات كثيرة. سئلت في لقاء إذاعي عما جرى فيها ولماذا فكرنا فيها الآن وإن كان ذلك توجها جديدا وفتحا في العمل البيئي الأهلي، وعن مدى تأثر الأطفال بها، خصوصا عندما ذكرت «ريم» أصغر الأعضاء والتي هي في عامها الخامس.
«خمس سنوات؟ عضوة في جمعية بيئية؟ قائدة بيئية صغيرة؟ ذلك كلام عجيب!».
«ريم» في الواقع (ما شاء الله تبارك الله) تساعدني كثيرا في إعادة أعضاء لجنة ريم لتحكيم المنطق عندما يتفوهون بمقترحات متطرفة؛ ريم هي لسان العقل المختصر والقوي وهي تفهم الكثير من المفاهيم البيئية فهما صحيحا وتستطيع تعريف معنى «موئل» أفضل بكثير مما عرفه الكثير من الكبار.
ريم هي إحدى ثمرات عمل جمعية أصدقاء البيئة الدؤوب عبر السنوات لإنشاء جيل واع بيئيا مؤمن بقضايا البيئة مدافع عن الحقوق البيئية (دون أن أبخس أسرهم حقها في حسن تربيتهم وإعدادهم ).
الورشة لم تكن الأولى فهي امتداد لورش ومحاضرات ولقاءات ونقاشات ومهرجانات وتعليم في الميدان يمتد لسنوات سبع ماضية.
الجديد في الورشة أنها أعطت أعضاء لجنة ريم (وأعطتنا جميعا ممن حرصنا على الحضور وتقديم الدعم لزينب) فرصة للتعرف نظريا على معنى ما يمارسونه عمليا، على المسميات والتعريفات وفرصة لتذكر أمثلة ممن قاموا به أو عايشوه من تجارب ووضعها تحت العناوين القيادية المناسبة على غرار «تخطي العقبات» و«الإيجابية» و«تحديد الأهداف» و«القدرة على الإقناع» و«الثقة» و«القدوة» و«الكفاءة» و«الروح الجماعية».
ومن طرائف ماتم نقاشه بشأن ذاك ماذكره أحد الأعضاء (تركي) بشأن معنى القدوة موضحا أن الأعضاء تعلموا (بصعوبة بالغة) الحديث والنقاش بهدوء ومن دون صراخ لأن مشرفي لجنة ريم يتحدثون معهم بنبرة صوت ناعمة هادئة على الجميع أن يلتزم الهدوء ليسمعها، ليضيف عضو آخر (أحمد) معلقا: «تخيل لو أن القادة الكبار في الجمعية كانوا يتحدثون معنا بصوت مرتفع» ليرد عليه سلمان: «بيكون عجيب!».
دور القائد جوهري، ودور القائد البيئي يعتمد عليه نجاح مشروعات مصيرية فرص نجاحها في الأصل ضئيلة جدا. القائد مثلما يزرع الثقة في نفوس تلامذته فإنه أيضا يتذكر على الدوام أنهم متى وجدوا فرصة للفوضى والهروب من العمل فسيفعلون لاسيما الأطفال، لذلك فهو متيقظ على الدوام ومنتبه لأوائل علامات الخلل ليتدارك الأمر بسرعة ودراية وروية وحكمة في آن.
عندما تحدثت زينب عن الإقناع بدأ الأعضاء في استعراض حيثيات قصة أعضاء لجنة ريم مع سلحفاة المياه العذبة الصغيرة (بنت البحرين) وحاولوا الوصول إلى النقاط الفارقة التي استطاعوا من خلالها إقناع (جاسم) بالعدول عن فكرة أخذ السلحفاة إلى بيته ومبادرته بمصاحبة الفريق الذاهب لتسليمها لمحمية السلاحف الصغيرة بمحمية العرين.
أعضاء لجنة ريم يعرفون أكثر مما يدركون أنهم يعرفونه؛ فقد حظي هؤلاء الأطفال بفرصة نادرة للتمرن على قيادة العمل البيئي منذ الصغر. أهلهم يتحدثون عن تفاجئهم المستمر بالنمو والتطور في شخصياتهم ويشتكون أحيانا من تعرضهم للإحراج أمامهم عندما يقومون (أي الأهل) بعمل يضر البيئة سهوا أو جهلا.
ما أحوج مجتمعاتنا للقادة في كل مجالات الحياة لاسيما ما يتصل بالعدالة والرحمة والخير وحسن التعامل مع الآخرين ولاسيما الأضعف ومع الكائنات الأخرى ومع النعم التي حظينا بها ولم ندرك قيمتها إلا وهي تتسرب من بين أيدينا.
في العمل البيئي، لاسيما الأهلي فإن البحرين بحاجة لقادة بيئيين مخلصين أمناء أقوياء واعين بيئيا واجتماعيا وفكريا وأخلاقيا وثقافيا، يدافعون عن البيئة لأجل البيئة ولأجل الإنسان ولا تأخذهم في الحق لومة لائم. قادة ضاربة أصولهم في أرض هذا البلد الطيبة ومشرئبة أعناقهم لما وصل له الآخرون من تقدم وتطور وفهم لوسائل تحسين الأوضاع البيئة وطرائق تجنب الإساءة لها أو التقليل من تلك الإساءات على الأقل.
قائد الحراك المجتمعي هو/ هي ضرورة قصوى للتغيير نحو الأفضل، لذلك فإن حركة التغيير بطيئة وصعبة ولا يحدث تغيير حقيقي في مجتمع إلا مرات قليلة في كل مجموعة من العقود.
من يصنع هؤلاء القادة؟ هم حتما نعمة من نعم الله الكبرى على الأرض ولكن ما هي العوامل التي تسهم في صنع قادة عظام؟ لماذا لدى بعض الأمم قادة أكثر وأكبر من غيرها؟ ما الذي نستطيع عمله لنضاعف من فرص حصول مجتمعاتنا على قادة حقيقيين يغيرون أحوالها إلى الأفضل.
لجنة ريم بجمعية أصدقاء البيئة بحاجة إلى التفاتة حقيقية من قبل المهتمين بالحراك المجتمعي وبالشأن البيئي وبسيكولوجية التعلم وسيكولوجية التغيير... السؤال هو: هل ستحظى لجنة قادة البيئة الصغار بهذه الالتفاتة؟
إقرأ أيضا لـ "خولة المهندي"العدد 1811 - الثلثاء 21 أغسطس 2007م الموافق 07 شعبان 1428هـ