ماذا لو تغيّر الحال وتمالأ الهنود الحُمر على مشروع ناهض لأمتهم المنكوبة. وتصيّر سوادُهم إلى أباطرة في المال والسلاح والإعلام، وتغيّرت أنظمة المصالح الإقليمية والدولية القائمة لصالحهم.
وشكّلوا مسارات مزدوجة من العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية المنتظمة أكسبتهم قوة استراتيجية على المستويين الإثني والعالمي، فتقبض على المؤسسات الدولية كمنظمة الأمم المتحدة والبنك الدولي والأحلاف العسكرية.
ثم قبل هذا كله تطورت معتقداتهم نحو مرتبة الحصول على تفسيرات العلاقة ما بين السماء والأرض لتنعكس لاحقا على الممارسات والأخلاقيات المواكبة لذلك التحول، لتنتهي إلى قيم دينية تتحد مع بقية الأديان الإبراهيمية وغيرها من الملل أو تتقارب معها.
ثم يُعلن من تبقى منهم من قبائل الشيروكي والموهاك والأننداجو عن إقامة دولة لهم باسم مملكة طريق الدموع (نسبة لحوادث تهجيرهم) عن طريق القوة والسلاح على أرض الولايات المتحدة الأميركية وكندا، أرض أجدادهم وآبائهم منذ آلاف السنين.
وعندها يُطرد السكّان البيض من أميركا الشمالية ويصبحون مهاجرين. ومن سيختار البقاء منهم على الأرض المنهوبة عليه أن يتوقع أن يلحق به ما يلحق عادة بالأقليات في الأنظمة العنصرية. وقد يلجأ هؤلاء المضطهدون إلى مجلس الأمن فقط لتسجيل الذكريات والاستماع إلى بيانات الإدانة.
سؤال العقدة الآن: هل سيقبل العالم الأنغلوساكسوني أو حتى الفرانكفونيين بذلك التغيير والنهب الهندي الأحمر لتلك البلاد؟! أو هل ستكون تلك الخطوة مقبولة عالميا إذا ما تمّ إحالة أصلها إلى حقوق تاريخية رسّخها ويرسّخها الوجود الهندي الأحمر منذ 3500 سنة قبل الميلاد.
أسأل هذا السؤال لكي أتثبّت مما جرى ويجري في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ مطلع القرن الماضي. لم يعد مجال للتصديق بأن أرضا كاملة تزيد مساحتها على 26323 كيلومترا مربعا يتم انتزاعها بالقوة من شعب آمن ليتم إهداؤها لكتل بشرية تمّ جمعها بالمفرق من جميع أنحاء العالم وفقا لادعاءات تاريخية من قبيل السبي البابلي على يد نبوخذ نصر الكلداني.
يبدو هذا الكلام مبتذلا لدى البعض لسبب واحد وبسيط وهو أن تاريخا مُفعما بالهزائم قد لا يولّد بالضرورة الرغبة في المبارزة وحمل الراية من جديد بقدر ما يزيد من نقاط التجاوز السلبي على الحساب الإنسانية وحماية الكرامة وأصل الحياة.
يبدو هذا الكلام خمسينيا أو حتى (قَرْنِيّا) إذا ما تمّ احتساب قيمة العصر الجديد وما يتطلّبه من حق الحياة والتملّك والرفاهية بشكل يدعو للشفقة. عصر صاغته آلة الاحتيال على منطق الأشياء والبديهيات لتنقلب الأمور بشكل جنوني وغريب.
لا أحد من الزعماء العرب يريد الحديث عن الحرب اليوم. ولا حتى عن المقاومات الشرعية سواء المدنية منها أو السلمية. الكل يريد أن يتحدث عن تنمية أثبتت أنها خرقاء، وعن تطور أثبت بأنه قشري ومهترئ.
والكل يريد التحدث عن نادي باريس واحد واثنين وثلاثة وحتى الألف، وعن المانحين، ليتضح لاحقا (ومن جديد) أن ما تمّ تشييده ما هو إلاّ سراب لأمور رمزية واعتبارية في الاقتصاد العالمي لكنها في الحقيقة لا تملك أي اعتبار كما أثبتت ذلك الأزمة الأخيرة.
اليوم هناك 339 مليون عربي يقودهم 22 زعيما سياسيا عربيا، وهناك مليار وثلاثمئة مليون مسلم يقودهم 57 زعيما سياسيا مسلما. تُرى ما هي المعايير التي يُمكن أن تُشكّل لهذه الزعامات لوازم الإحساس بضرورة حماية المصالح؟.
فالأرض قد اغتُصبِت وشعبها شُرّد. والحرب قد شُنّت، والدم قد وصل إلى شحمة الأذن. والجرحى قد ملأوا البلاد، والسّجون قد عجّت بالأسرى والمعتقلين. فماذا بقي لكي يلزم الإحساس سوى الاكتواء بمثل ما حلّ في تلك البلاد. يبدو أن ذلك هو الحل.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 2267 - الأربعاء 19 نوفمبر 2008م الموافق 20 ذي القعدة 1429هـ