العدد 2267 - الأربعاء 19 نوفمبر 2008م الموافق 20 ذي القعدة 1429هـ

عهد أوباما... المال قبل الأمن

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

مع اقتراب موعد التسلم والتسليم بين الرئيس المنتخب والرئيس جورج بوش بدأت المخاوف الدولية والعربية والإقليمية ترتفع من احتمال حصول انقلابات في السياسة الأميركية في السنوات الأربع المقبلة. المخاوف منطقية إذا لم تتجاوز «الخط الأحمر» ولكنها تتحول إلى هواجس في حال بالغت الأطراف في قراءة المتغيرات.

المتغيرات لا تقررها الإدارة انطلاقا من مزاجية في الرؤية وإنما تترتب بسبب دوافع عملية تفرض على البيت الأبيض إعادة النظر في جدول أعمال الولايات المتحدة. فالوقائع الميدانية هي التي تفرض شروطها وتضغط على الإدارة للتغيير. وفي هذه الحال لا يستطيع الرئيس المنتخب باراك أوباما تغيير الأولويات إلا إذا تبدلت الشروط وأخذت بالضغط على إدارته حتى يلجأ إلى اعتماد سياسة بديلة تتناسب مع المهمات الجديدة أو الإضافية.

الجديد في أولويات أوباما يتركز في الشهور الأولى من عهده على مسألة أزمة أسواق المال الدولية والمحلية. وتشكل هذه المهمة الإضافية مسئولية اقتصادية كبيرة تصل إلى حد تقرير مستقبل إدارته في حال فشل في التوصل إلى حلول تضبط الأزمة وتمنع انفلاشها.

أوباما لا يستطيع اختراع الأزمات والبحث عن وصفات طبية لها وإنما الأزمات هي القوة التي تفرض شروطها عليه ما يدفعه إلى التجاوب معها واختراع الحلول لها. ولأن الأزمة المالية باتت تشكل الآن التحدي الأول للإدارة فإن أوباما لا يستطيع تجاهلها أو تأجيلها حتى لا يصاب الشارع (الناخب ودافع الضرائب) الذي عول عليه بالإحباط.

الإدارة الأميركية ستكون منشغلة بالأزمة المالية في الأسابيع الأولى من تسلم أوباما مهماته الرئاسية لتحضير الملفات ودراسة المخارج وترسيم طرق المعالجات قبل اقتراب موعد القمة الاقتصادية العالمية الثانية (20 دولة) لبحث الآليات ومدى نجاعة التفاهمات التي توصلت إليها القمة الأولى في واشنطن.

المسألة الاقتصادية وبرنامج أوباما وخطط إدارته لاحتواء الكارثة المالية يرجح أن تستهلك مجتمعة وقت البيت الأبيض في الفترة الأولى. وأهم النقاط المطلوب معالجتها داخليا منع انتشار الأزمة حتى لا يسقط الاقتصاد في فترة ركود تهدد الوظائف والشركات المدنية وتلك المؤسسات التي تقوم على التصنيع التقني. ومعالجة النقطة الداخلية مرتبطة بمدى نجاح واشنطن في إعادة تعويم فكرة المشاركة الدولية ومساعدة الدول الفاعلة والقادرة على تعزيز الأسواق وتنشيطها في مواجهة الأزمة.

حاجة الولايات المتحدة إلى المشاركة النقدية الدولية تعتبر خطوة مهمة لتعديل الكثير من التصورات الأميركية. وطلب المساعدة من الكتلة المالية العالمية يمكن أن تشكل بداية تفرض شروطها على الإدارة لترتيب جدول أعمالها وهذا يعطي فرصة للدول الفاعلة أو القادرة على التحرك الدبلوماسي وتشجيع الرئيس المنتخب على فتح ملفات سياسية تتصل مباشرة بالقضايا الإقليمية والعربية.

المال مدخل السياسة وأحيانا يحتل أولوية تأتي على رأس جدول الأعمال في حال شكل معضلة قابلة للتمدد والتأزم. وهذا الأمر بات الآن من الاحتمالات المطروحة لكون أزمة الأسواق جرفت معها الكثير من الملفات الأخرى حتى تلك الموصولة مباشرة بالموضوع العراقي وامتداداته العربية والإسلامية والإقليمية. فقبل الأزمة المالية ركزت حملة أوباما الرئاسية على ملف العراق ومسألة الإرهاب وموضوع أفغانستان وأفضلية سحب القوات أو نقلها وإعادة موضعتها تحت سقف مغاير في أولوياته. بعد الأزمة تغيرت لهجة الحملة الرئاسية وأخذت تركز على الاقتصاد وانهيار القطاعات المصرفية ومشكلات شركات الرهن العقاري وارتفاع معدل البطالة وتوقع إقفال عشرات المؤسسات المدنية أبوابها.

تعديل البرنامج

التعديل الذي حصل في برنامج حملة أوباما لم يقرره الحزب الديمقراطي وإنما جاء ردا على متغيرات ميدانية فرضت شروطها السياسية على جدول الأعمال. وهذا التعديل الذي طرأ في الأسابيع الأخيرة من السباق الرئاسي لا يزال ساري المفعول ويرجح أن يستمر إلى الفترة الأولى من عهد أوباما ما يعني أن الأولية أصبحت للمال قبل الأمن.

المال أولا والأمن ثانيا خطوة تعني الكثير في السياسة الدولية والترتيبات الداخلية. فمن الناحية الدولية يتطلب الحصول على المال ترتيب علاقات خارجية تنسجم مع هذه المهمة وتتناسب مع قراءة تعيد النظر بسياقات ميدانية اعتمدتها الإدارة السابقة خلال السنوات الثماني الماضية. ومن الناحية الداخلية تتطلب مهمة إعادة توزيع الثروة خطة برنامجية تعيد تركيب الهيكل العام للاقتصاد وإعطاء المزيد من الاهتمام لمؤسسات التصنيع المدني (شركات السيارات مثلا) على حساب مؤسسات التصنيع الحربي.

هذا التغيير بين المال والأمن لم يخترعه أوباما وإنما اضطر للتعامل معه خلال حملته الانتخابية بصفته نتاج تحولات الوقائع وشروطها الميدانية. ويرجح أن تستكمل إدارة أوباما السير في السياق نفسه لأن المشكلة يمكن أن تتفاقم داخليا في حال لم تسارع إلى تبني مجموعة حلول تحتوي الكثير من نتوء الانعكاسات السلبية التي أخذت تقرع أبواب الطبقات الوسطى وأصحاب الدخل المحدود.

تركيز أوباما في الفترة الأولى من عهده على أزمة المال وتداعياتها الاقتصادية يتطلب من إدارته أعطاء الاهتمام إلى الداخل ومشاركة الخارج في تأمين الغطاء النقدي لوقف التدهور ومنع الولايات المتحدة من الانزلاق نحو الركود. وهذا التعديل في التركيز والانتباه يفترض نظريا إعادة ترتيب الملفات الأمنية وإدراجها في جدول أعمال مغاير لذاك الذي اعتمده بوش في فترة رئاسته.

التعديل في الأولويات مسألة منطقية لأنه ليس مختلقا وإنما جاء ليرد على حاجة تتصل بالمتغيرات الميدانية. وتغليب المال على الأمن لا يعني إطلاقا أن إدارة أوباما ستتناسى كل المهمات الأخرى المتصلة بالعراق وأفغانستان وفلسطين ولبنان والسودان ومسألة الإرهاب ووظيفة انتشار الجيش الأميركي في عشرات المناطق والقواعد في العالم و«الشرق الأوسط». فهذه النقاط لاتزال تحتل أولوية في برنامج أوباما ولكنها أصبحت الآن محكومة بمدى قدرة إدارة واشنطن على معالجة أزمة المال ونجاحها المعول عليه دوليا وشعبيا في تجاوز تداعياتها.

المدخل الأميركي إلى ضمان الأمن القومي تحول في الأسابيع الأخيرة من مكافحة الإرهاب إلى مكافحة أزمة المال. وهذا المتغير في جدول الاهتمامات سيتطلب من الإدارة إعادة النظر في الأولويات حتى تكون النقاط السياسية متناسبة مع درجة حساسية المواطن الأميركي والضغوط النفسية التي يمر بها. نجاح أوباما في احتواء أزمة المال سيشكل نقطة قوة لإدارته يستطيع البناء عليها لتأسيس سياسة أميركية خارجية تعتمد جدول أعمال ينهي فوضى الملفات الدولية التي تركتها إدارة بوش في البيت الأبيض. أما إذا فشل أوباما في معالجة تداعيات أزمة الأسواق المالية ستغرق إدارته في فوضى داخلية ستمنعه من تركيز الانتباه على تلك الملفات الساخنة والمفتوحة على المزيد من الاضطرابات في الشريط الممتد من أفغانستان إلى فلسطين ولبنان.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2267 - الأربعاء 19 نوفمبر 2008م الموافق 20 ذي القعدة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً