تهديدات السيد حسن نصر الله من جهة إلى «إسرائيل»، وهجوم فاروق الشرع على المملكة العربية السعودية من جهة أخرى، معطوفة على اتهامها من قبل وسائل إعلام الحزب بمعرفة المملكة المسبقة لحرب الصيف الماضي، وتهديد الولايات المتحدة بوضع الحرس الثوري الإيراني على قائمة الإرهاب الدولية، كل ذلك لمن يتابع، يربطها رابطا واحدا هو التسخين الكلامي الحاد، لما قبل سخونة متوقعة في المنطقة العربية المشرقية في الخريف المقبل.
قراءة في تفسير تهديدات السيد نصر الله (بمفاجأة) موعودة لـ»اسرائيل» التي فسرها بعض المحللين العرب بأنها (ستكون رؤوسا بيولوجية أو كيماوية) تُركب على ترسانة السيد حسن في لبنان، وموجه إلى «إسرائيل»، هي قراءة في حدها الأدنى عاطفية، فالتهديد الذي يضع لبنان الدولة في موضع لا تحسد عليه، ليس موجها للدفاع عن لبنان، على رغم انه ببساطة اشترط حصول (المفاجأة) أن تقوم «إسرائيل» بالاعتداء على لبنان. وفي الحال الموضوعية، ذلك الاعتداء ليس بقريب، بسبب وجود قوات الأمم المتحدة في الجنوب وبعض من قوى الجيش اللبناني، وأيضا بسبب صدور قرارات مجلس الأمن المختلفة والملزمة للحفاظ على تهدئة طويلة المدى هناك.
المقصود بالمفاجئة في الغالب، هو تحذير مبطن لما تستشعر به دوائر حزب الله ودوائر دمشق، كما هي طهران، بأن هناك شيء ما قريب وقاسي ومحتمل ضد طهران يكاد أن يكون ملموسا، قادما من الدول الغربية. هذا الاستشعار، ربما يكون أيضا قد وضع «إسرائيل» في مقدمة القوى التي ستخوض تلك المعركة الفاصلة القادمة، بالتالي فإن تحذيرها من قريب قد يسمع أكثر!.
من هنا فان حديث السيد نصر الله له معنى، وهو تحذير إن قامت «إسرائيل» بالاعتداء على إيران (وليس لبنان كما جاء في النص) فان المفاجأة ستكون كبيرة وضخمة.
بصرف النظر عن قيمة المفاجآت العربية، التي يعرف جيلنا انه مر بها ورقص في الشوارع لاحتمال تحقيقها، من مفاجأة الظافر والقاهر، إلى مفاجأة (حرق نصف إسرائيل) إلى مفاجأة (جيش أوله في القدس وآخره في بغداد) كل تلك المفاجآت كانت كلامية لا أكثر، فقد بلع المتحدثون عنها ألسنتهم إما بهزائم منكرة أو بالتعليق على المشانق لسوء فهم عميق في عدم التفرقة بين (العنتريات) التي كانت سائدة في عصور قديمة، وبين واقع قاس، الغلبة فيه للعقل والعلم معا.
حقيقة الأمر أن تصريحات السيد حسن نصر الله، وان كانت تدغدغ مشاعر العامة، بمفاجأة عسكرية تمسح «إسرائيل» من الوجود، ويستجيب لها بعض المشحونين عاطفيا من المحللين لتزينها، هي في نهاية الأمر تصب لصالح «إسرائيل». المفاجآت العسكرية لا يتحدث عنها علنا وتتناقلها وكالات الأنباء!!. فقط تحدث في الوقت المناسب لتسمى باسمها.
وفقط منذ أسبوع، وبعد أن تحدث السيد نصر الله عن أسلحة تطول كل «إسرائيل» صدر قرار من مجلس الأمن (وللتذكير مجلس الأمن ليس أميركا، بل والصين وروسيا من بين غيرهم من الأمم) صدر قرار أدانه، يصب في صالح «إسرائيل»، وبعد حين قليل تحدث الإعلام عن صفقة كبرى عسكرية لصالح «إسرائيل» من الولايات المتحدة تحت تأثير تلك التصريحات على الأقل إعلاميا.
هذا على الجانب العملياتي. أما على جانب (الحرب النفسية) فقد صدر من بعض صقور «إسرائيل»، كما فعل وزير البنى التحتية بنيامين اليعازر، تصريحات مفادها أن السيد لا يكذب، وبالتالي فان الحاجة ماسة إلى سلاح وتمويل وأيضا إلى حشد الداخل الإسرائيلي في جبهة صلبة، وليتخلى عن المحاسبة للحكومة القائمة في «إسرائيل»، لصالح التوحد أمام التهديد. مثل ذلك التصريح هو استثمار ايجابي جدا للتصريحات الكلامية وربما العاطفية بشأن المفاجأة.
حقيقة الأمر فإن الممانعة التي جعلت من حرب الصيف الماضي ليست انتصارا لـ»اسرائيل»، شارك فيها مقاومو حزب الله من جهة، وعلى الصعيد السياسي كان موقف الدولة اللبنانية بأحزابها المختلفة وقواها السياسية سندا لا يستهان به في منع ذلك الانتصار. فهناك كفتان لا يجوز لعاقل أن يتجاهلهما أو يتجاهل احدهما. لقد صمم مقاتلو حزب الله على الصمود وصمم المجتمع اللبناني بكل قواه على المساندة. إسقاط طرف هو ادعاء في غير محله وقفز على الحقائق وتخطيط خاطئ للمستقبل. ومن جهة أخرى وبصرف النظر عن استعداد «إسرائيل» الدائم لخوض حروب مع الجيران، فان الشرارة التي أشعلت حرب الصيف الماضي هي - من دون نزاع - اختطاف جنديين على الحدود اللبنانية الجنوبية، وهو أمر يعرف به مسبقا عدد قليل من متخذي القرار في حزب الله، ولحسابات خاصة به.
ولكن منذ أن وضعت الحرب أوزارها والمتلقي العربي يسمع من طرف إعلام حزب الله الذي لا يكذب (كما قال المسئول الإسرائيلي وقال بعض المحللين العاطفين العرب) يقول لنا هذا الإعلام وتقول لنا الخطب، ان (الحكومة اللبنانية ضالعة في التآمر على تشجيع الحرب) بل وزاد ذلك الإعلام محاولة التضليل بالقول أخيرا ان (المملكة العربية السعودية لديها علم بالحرب، بدليل أنها أجلت رعاياها في اليوم التالي للحرب من لبنان). حدث العاقل بما لا يعقل فان صدق فلا عقل له.! كيف يمكن أن يحدث ذلك، مع وجود التصريحات والوثائق التي قالت ان (الاختطاف) أعد له من الحزب بسرية شديدة!!
ولم يترك لفاروق الشرع المعركة التي تُسخن للخريف المقبل إلا بتأجيجها عند الحديث عن المملكة العربية السعودية،وتخليها - كما قال - عن دورها الذي يعتبره للشرع قصورا. وكأن سياسة المملكة العربية السعودية هي مطية لا سمح الله لأهواء للشرع، أو من ينطق باسمه. إلا أن كل ذلك قد نجده في تحليل لعبد الباري عطوان حيث قال مفسرا كل ذلك وبالنص ( الحلف السوري الإيراني بات يميل إلى التخلي عن التقوقع بنقل متدرج إلى استراتيجية الهجوم) ويذكرنا عطوان بأن (سورية حكمت المنطقة العربية بأسرها بالعنف الفلسطيني طوال فترة السبعينات والثمانينات، ويمكن النزول إلى ميدان العنف والإرهاب لزعزعة استقرار خصومها... فليس هناك أبرع من المخابرات السورية) وتكفي شهادة الصديق الذي يلقي بالحجر على انف صاحبه ليطرد ذبابة!!
امتناع المملكة العربية السعودية عن حضور لقاء الخبراء للدول المجاورة للعراق في دمشق في الأسبوع الماضي، هو قرار سيادي، سبقه رفض سورية حضور اجتماع وزراء الخارجية في القاهرة على مستوى الوزراء، بل والضجة التي أحدثها مندوب سورية بعد ذلك، هو قرار سيادي سوري. كما أن رفض دعوة سورية لحضور مؤتمر السلام المدعو له من قبل الولايات المتحدة، هو قرار لا يخص المملكة العربية السعودية، ولا احد عاقل يبرر تفسير هذه الهجمة لتلك الأسباب.
زبدة الموضوع أن هناك من يراهن على الفوضى من اجل فك حصار سياسي تسبب فيه، وقد لا تصيب تلك الفوضى إلا مصالح مؤججيها.
واضح من تراكم الحوادث في منطقتنا أن كثيرا من العقل العربي في إجازة مع الأسف، وان الحديث عن مفاجآت هو في الغالب للاستهلاك المحلي، وتغذية الجمهور بخيالات يطرب لها السذج. فأي أسلحة دمار، كما فسر بعض المحللين العاطفين للعرب تصريحات السيد تصدر من أية بقعة في لبنان، لن تصيب تل أبيب فقط، بل وقد تصل إلى عمان ودمشق وبيروت أيضا ولو بعد حين، وأي تشتيت للقوى العربية من جهة أخرى في صراع عبثي، هو تقليل من فرص المقاومة الحقيقية، ونثر لقوى الفوضى.
اللعب على ضعف الذاكرة العربية، وإطلاق القذائف السياسية المسمومة باتجاهات مختلفة هي ليست في صالح العرب. وكل هذه الضجة هي لصرف النظر عن ضجة قد تحدث خارج الأرض العربية، ولكن المؤسف أن بعض العرب مازال يرغب وبإصرار في لعب دور في حرب نفسية أو حرب ساخنة دفاعا عن مصالح الآخرين، وقد تكون شرعية، إلا أنهم أولى بأن يدافعوا عنها. إلا أن المؤسف أكثر أن ذلك البعض لم تتكون لديه الشجاعة بأن يسمي الأمور بأسمائها فيقول للناس انهم يضحون بأوطانهم وبشعوبهم لأجل هدف ضبابي بعيد، وان من يلجأ إلى العنف والإرهاب يمكن بسهولة أن يرتد إليه. إننا نشهد حربا جديدة هي حرب الابتزاز، والتي كانت تؤتي أكلها في أوقات سابقة، إلا أن الزمن قد تغير.
إقرأ أيضا لـ "محمد غانم الرميحي"العدد 1810 - الإثنين 20 أغسطس 2007م الموافق 06 شعبان 1428هـ