مساء أمس الأول، وقبل الانصراف من العمل، فوجئت بما حمله مصوّر «الوسط» من لقطاتٍ لما حدث في المالكية عصر الأحد الماضي، وخصوصا حرق بعض النخيل.
ولمزيد من الدقة، لم يكن ما حدث كله مفاجئا لمن كان يتابع ما يجري. فهناك قريةٌ هادئةٌ لم تحرّكها حوادث التسعينات، لكنها تحرّكت قبل عامين في مثل هذا الموسم الحار من السنة، احتجاجا على إقامة جدار فصل طبقي، كان يحتجز وراءه أراضي تم الاستئثار بها. ولم تتوقف العملية عند الساحل وإنما امتدت كيلومترا واحدا في عمق البحر الذي تعتاش منه أكثر من مئة عائلة من خمس قرى ساحلية. وتطلبت إزالته تدخل أعلى سلطة في البلد بعد أن تعرّضت هيبة الدولة والقانون لتحدٍ استمر 45 يوما، تخللتها مناوشاتٌ بين الأهالي الغاضبين وبين قوات الأمن.
في هذا العام، السيناريو تكرّر، بعد إقامة حظورٍ لصيد الأسماك هذه المرة، في البقعة ذاتها، ومن الجهة نفسها، في اختبارٍ جديدٍ لهيبة الدولة وجولة جديدة من التحدي للقانون. كل مؤسسات الدولة كانت صريحة وواضحة، بأن ما يجري مخالف للقانون، ومع ذلك تكرر المشهد بحذافيره.
في ختام الجولة الأولى، وبعد نفاد صبر الجمهور، حمل بعض الأهالي الغاضبين مطرقة كبيرة لتحطيم الجدار، فلم يفلحوا بإيجاد أكبر من ثغرة صغيرة، أما في الجولة الأخيرة فنجحوا بإزالة ثلاثة حظور. وفي الحالتين انفلتت الأمور، بعد أن يئس الناس من أن يأتي الحل على يد الدولة، فيما كانوا يشاهدون قوات الأمن تُهرع للدفاع عن الجدار والحظور، ومحاصرة المالكية والقرى المحيطة وإمطارها مرارا بمسيلات الدموع.
الجديد هذه المرة أن الأهالي كانوا أميل للهدوء وضبط الأعصاب، بعدما توافق المجلس البلدي واللجنة الأهلية مع المواطن المخالف للقانون. ومع ذلك، انفلت الأمر بعد مرور ستة أيام من انتهاء الفترة التي حدّدتها الهيئة العامة لحماية الثروة البحرية والبيئة، وتوصّل الأهالي إلى قناعةٍ بأن ما يجري مجرد مماطلات وضحك على الذقون.
صباح أمس، تلقيت مكالمة عند الساعة العاشرة والنصف تقريبا، تفيد بأن إزالة الحظور سيبدأ بعد نصف ساعة، وتبيّن أن أربعة عمال آسيويين أرسلوا لتنفيذ المهمة. وتبيّن أيضا أن بعض أفراد قوات الأمن الملثمين - وكما تثبت الصور - تعرّضوا بالإهانة والتهديد لرئيس المجلس البلدي، ومرافقيه في القارب بالبحر.
وفيما أكتب هذه الكلمات، وأسجل مثل هذه الحوادث المخجلة التي تحدث في بلادنا، دائما ما تخطر ببالي الكويت والإمارات، ترى هل تحدث لديهم مثل هذه الخروقات الفاضحة للقانون؟ هل هناك فئة فوق القانون؟ وهل تتسامح الحكومة هناك مع من يتحدّى القانون خمسة وأربعين يوما؟ وهل ترسل وزارة الداخلية هناك قواتها للدفاع عن «حظور» مخالفة لقوانين البلد؟ وهل يضطر الأهالي إلى تنظيم اعتصامات على الساحل لحمايته من استيلاء متنفذين؟
ترى... بعد ربع قرن، لو وقع مثل هذا المقال بيد أحد طلاب الجامعة، ماذا سيقول؟ صحافةٌ تكتب عن حظور وجدران فصل طبقية؟ هذه جنوب افريقيا أيام «الفصل العنصري» أم هي دولة خليجية حديثة في مطلع الألفية الثالثة؟
آخر الأنباء
بدأ الأهالي بتنظيف الساحل واشتروا شتايل ومدوا أنابيب تقطير مياه لريّها، وجلس كبار السن على الساحل، فيما أخذ الأطفال يلعبون بالرمال. ومع غروب شمس أمس، كان علم البحرين يرفرف مكان الحظور البائدة، وعلمٌ آخر علّقه شابٌ على عمود كهرباء.
مبروك للقانون وللمالكية... وجعلها الله آخر الحظائر والجدران.
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1810 - الإثنين 20 أغسطس 2007م الموافق 06 شعبان 1428هـ