العدد 1810 - الإثنين 20 أغسطس 2007م الموافق 06 شعبان 1428هـ

أعمال عنف شرعية وغير شرعية

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

ما السبب في أن الإسلام دين عنفي؟ هل يشيد القرآن الكريم بالأعمال الإرهابية؟ لماذا لم يدن المسلمون هجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول والتفجيرات الانتحارية؟

أسئلة شائعة مثابرة في وسائل الإعلام والنقاش العام. ولكن القادة المسلمين الرئيسيين والمنظمات المسلمة في الواقع طالما رفعوا أصواتهم ومازالوا. وسائل الإعلام تنزع لأن تجد هذه الفتاوى والتصريحات غير مهمة إعلاميا. ولكنها موجودة على شبكة الإنترنت.

بُعيد هجمات الحادي عشر من سبتمبر على سبيل المثال، طلب محمد عبدالرشيد، أعلى رجال الدين رتبة في الجيش الأميركي، فتوى عما إذا كان العسكريون الأميركيون المسلمون يستطيعون المشاركة في الحرب في أفغانستان وغيرها من الدول المسلمة. وقد توصلت مجموعة من الهيئات الدينية البارزة إلى أنه «يتوجب على جميع المسلمين أن يتّحدوا ضد جميع الذين يُرهِبون الأبرياء والذين يسمحون بقتل غير المقاتلين دون سبب أو مبرر»، وأنه من المقبول به «المشاركة في المعارك المقبلة ضد من تقرره بلدهم بأنه ارتكب أعمالا إرهابية ضدهم».

يميز الإسلام، مثله مثل غيره من الأديان بين أعمال العنف الشرعية وغير الشرعية. القرآن الكريم لا ينادي أو يشيد بالأعمال العنفية أو الإرهابية غير الشرعية، كما تضع التقاليد الإسلامية حدودا واسعة على استخدام العنف وترفض الإرهاب والاختطاف وأخذ الرهائن. إلا أنه يُسمح للمسلمين، طبعا في حالات متطلّبة، أن يدافعوا عن دينهم وأسرهم والمجتمع الإسلامي ضد العدوان.

وماذا عن المفجرين الانتحاريين، وماذا عن العنف ضد غير المقاتلين؟ برزت هذه الأمور منذ أواخر القرن العشرين في «إسرائيل» - فلسطين، لبنان، العراق، باكستان، إندونيسيا، أميركا وأوروبا، إذ أصبحت التفجيرات الانتحارية مساوية للاستشهاد واستغناء الإنسان عن حياته دفاعا عن الإسلام والمجتمع. كما برز الحوار بشأن العنف الشرعي مقابل العنف اللا شرعي في النزاع الإسرائيلي الفلسطيني. تمنع التقاليد النبوية (السيرة النبوية وأقوال النبي محمد (ص) وأفعاله) بوضوح وبشكل مطلق الانتحار، لأنه لا يحق إلا لله تعالى وحده أن يأخذ الحياة التي وهبها هو. ومن ناحية تاريخية منع المسلمون السنة والشيعة الانتحار الديني وأعمال الإرهاب.

لقد خلّفت الهجمات الانتحارية، وخصوصا تلك التي تستهدف المدنيين الأبرياء أو غير المقاتلين حوارا حادّا في أوساط السلطات الدينية البارزة في العالم الإسلامي، فقد ناقش كل من القائد الديني الراحل ومؤسس حركة حماس الشيخ أحمد ياسين ومفتي القدس عكرمة صبري وكثيرين غيرهم من القادة الدينيين العرب والفلسطينيين بأن التفجيرات الانتحارية ضرورية ومبرَّرة عند مواجهة احتلال «إسرائيل» غير القانوني والقوة العسكرية الكاسحة.

آخرون يدينون هذه التفجيرات، وبالذات تلك التي تستهدف المدنيين كالإرهاب. المفتي الأكبر للديار السعودية يدين جميع أشكال التفجيرات على أنها غير إسلامية يمنعها الإسلام. ويميز الشيخ محمد سيد طنطاوي مفتي الديار المصرية السابق وشيخ الأزهر الحالي، وبالتالي أعلى سلطة دينية، بشكل حاد بين التفجيرات الانتحارية التي تعتبر شكلا من أشكال التضحية الذاتية والدفاع عن النفس للدفاع عن الأرض والوطن ومساعدة المظلوم، وقتل غير المقاتلين من النساء والأطفال، وهو أمر طالما عارضه بشدة.

ومن القضايا الرئيسية التي برزت في هذه الحوارات قضية النسبية، وهي أن يكون الرد متناسبا مع الجريمة التي تم ارتكابها. هؤلاء الذين يسعون إلى تبرير قتل المدنيين يناقشون أنه لا يوجد في «إسرائيل» مدنيون أبرياء لأن المجتمع الإسرائيلي مجتمع عسكري (يتوجب على الرجال والنساء في «إسرائيل» القيام بالخدمة العسكرية ثم الخدمة كاحتياطي) وكذلك لأن الاحتلال الإسرائيلي والسياسات الإسرائيلية تقتل الفلسطينيين المدنيين دون تمييز.

وينعكس الحوار الدائر، الذي يسميه البعض حرب الفتاوى، من القادة الدينيين في النقد اللاذع الذي يقدمه الشيخ يوسف القرضاوي الذي يعتبره البعض المرجع الديني الأكثر إجلالا وتأثيرا في الإعلام العربي والديني اليوم، ضد الشيخ الطنطاوي الذي أدان الهجمة الانتحارية التي قتلت 26 إسرائيليا في ديسمبر/ كانون الأول العام 2001. «كيف يمكن لشيخ الأزهر أن يدين المجاهدين الذين يناضلون ضد الإرهاب؟ كيف يمكنه اعتبار هؤلاء المحتلين مدنيين أبرياء؟ أنا مندهش كيف يمكن لبعض الشيوخ إصدار فتاوى تخون المجاهدين بدلا من دعمهم وحثهم على التضحية والشهادة؟»

كما انتقد القرضاوي إمام المسجد الحرام في مكة المكرمة الشيخ محمد بن عبدالله السبيل لأنه أعلن أن قتل الإسرائيليين غير مصرح به. فقد أعلن القرضاوي:

«الفلسطيني الذي ينسف نفسه هو إنسان يدافع عن وطنه. عندما يهاجم عدوا محتلا فهو يهاجم هدفا شرعيا. وهذا يختلف عمّن يترك بلده ويذهب ليضرب هدفا لا خلاف له معه».

بالمقابل، يقول تيموثي وينتر (الشيخ عبدالحكيم مراد) من جامعة كامبريدج: «هذا النوع من استهداف المدنيين، كالاستخدام المنحرف للعنف الإرهابي هو شيء جديد جدا في الحقيقة. لم يحظَ بنجاح كبير في القيادة الدينية وإنما في أوساط الجماهير في الشارع وخصوصا في الأماكن غير الطبيعية، شديدة التوتر مثل غزة والمناطق الفقيرة في بغداد وغيرها، إذ تحظى - لسوء الحظ - ببعض الاهتمام. وهذا هو التحدي الكبير للقيادة الدينية: كيف يمكن إعادة إرساء قواعد الرأي المستقيم في وجه التضخم المتزايد للثورة الأصولية».

النقطة هنا هي كما يأتي: الإسلام، مثله مثل غيره من الأديان، يميز بين أعمال العنف الشرعية وتلك غير الشرعية.

* أستاذ في الدين والشئون الدولية في جامعة جورجتاون والمدير المؤسس لمركز الأمير الوليد بن طلال للتفاهم بين المسيحيين والمسلمين فيها ومؤلف كتاب «ما يحتاج الجميع لمعرفته عن الإسلام» وكتاب «الحرب غير المقدسة: الإرهاب باسم الإسلام»، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 1810 - الإثنين 20 أغسطس 2007م الموافق 06 شعبان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً