هناك ظاهرة متنامية في أوساط الجالية المسلمة في أميركا ستغيّر التاريخ بالنسبة إلى المسلمين، فقد أخذ المسلمون الشباب، ومعظمهم من أبناء المهاجرين، يفكرون علنا بهويتهم. أخذ الكثير منهم يصبحون، أو أصبحوا علماء ونشطاء مسلمين نيابة عن الإسلام الاجتماعي. نشأ هؤلاء الرجال والنساء أحيانا في بيوت علمانية نسبيا، لذلك يتوجب عليهم، وهم يصبحون مسلمين بوعي ذاتي، أن يعيدوا تصوّر ما تعنيه لهم كينونة المسلم كأميركيين.
من المؤكد أن هذه المجموعة المتنامية والمتنوعة داخليا ستغير فهم الأميركيين للإسلام وكيف يفهم المسلمون الإسلام في جميع أنحاء العالم. لاحظ ما يأتي:
أحد نجوم هذه المجموعة هو إيبو باتيل. لا يمثل باتيل، مؤسس «جوهر الشباب عبر الديانات» هذا الوجه الجديد للإسلام فحسب، وإنما يفعل ذلك بالتحديد من خلال عبور الخطوط الدينية. كونه مسلما يركز بالتأكيد على اعتناق الفروقات، وهل هناك ما هو أهم من ذلك هذه الأيام؟
مواجهته لهذه الفروقات، كما يسرد باتيل قصته، هي بالذات التي أدت به إلى فهم عقيدته بصورة أفضل وبأن يصبح مسلما جيدا. قصة باتيل لها أهميتها، إن لم يكن لأي سبب آخر فإنما لأنها تظهر كيف لا تحتاج المبادرات عبر الأديان، أي العمل بشكل متبادل مع أتباع الديانات الأخرى، لأن تؤدي إلى نوع من الفهم التحرري الكامل للدين، وإنما يمكنها أن تعزز وتعمق إيمان الإنسان وفي الوقت نفسه تبني تقديرا للآخر.
كتاب باتل سهل القراءة ويزخر بالمعلومات. قصته بسيطة من دون أن تكون مفرطة في التبسيط. مسلم شاب نشأ في مدينة شيكاغو يكتشف أنه مختلف عن الكثير من الناس حوله. البعض يعاملونه بشكل جيد، والآخرون عنصريون. لديه خيار بشأن كيف يتعامل مع هذه العنصرية: إما أن ينكمش في طيات نفسه ويصبح عنصريا بشكل معارض، أو يبدأ العمل مع من هم يختلفون عنه حتى يكون له تأثير. هذه عبارة يمكنها أن تصف الكتاب، لأن باتيل، طبعا، يختار الحل الثاني، ويعود تفكيره إلى أن هذا الخيار الذي قد لا يكون متعلقا به شخصيا بل أكثر بمن هم والداه ومعلموه.
يصبح هذا الموضوع بالنسبة إلى باتيل، الحوار المركزي حول سبب حاجتنا لتشجيع علاقات إيجابية مع المسلمين الشباب في أميركا وحول العالم. في هذه الظروف الساخنة، يمكن للمسلمين أن يكونوا «جيدين» أو «سيئين»، بحسب من يؤثر عليهم. الصورة أكثر تعقيدا طبعا، وهو أمر يعترف به باتيل كونه من العلماء الناشطين. ولكن هذه «أيام مضطربة» بحسب رأي آن سويدلر العالمة الإجتماعية. أيام كهذه تحتاج لرد قوي. نحن بحاجة لشخصيات بطولية، وباتيل في شبابه يتجه من دون شك في هذا الاتجاه المهم.
قصة باتيل، إضافة إلى كونها نصرا للتسامح والاعتناق، هي قصة رحلة، سطور سردها واضحة مثيرة للعاطفة كذلك. بعد أن يمر باتيل بفترة من الصحوة الذاتية، يسافر عبر العالم، ويقابل أمثال الدالاي لاما وأرياراتين (وكلاهما بوذي) ويلهمه أمثال غاندي (هندوسي) وجيمس بالدوين (مسيحي وإفريقي أميركي مثلي بشكل علني). كذلك يعيد اكتشاف تقاليده مع لامعين مسلمين مثل الرومي.
لا يقضي باتيل وقتا طويلا في سيرته الذاتية يفكر بطريقة علنية بالجانب الأقل تسامحا الذي يمكن للإسلام (وكذلك جميع الديانات الأخرى) أن يظهره على رغم أن ذلك مذكور ضمنيا. إضافة إلى عدم تركيزه على الإسلام الذي خرج عن المسار الصحيح، لا يركز باتيل كذلك على الدفاع عن الإسلام.
بالنسبة لي يعتبر ذلك إبرازا آخر لعمل باتيل. كل ما ينشر عن الإسلام هذه الأيام إما مناصر أو معارض له، مقارنة بكتاب ينظر إلى الإسلام بأسلوب طبيعي فيجد كلا من الأمجاد والعظمة وكذلك الأخطار الضمنية في أية تقاليد قائمة. نرفع قبعاتنا احتراما لباتيل لرفضه أن يرى الإسلام كظاهرة تضع خيارين اثنين، يَرسم صورة حقيقية معقدة بدلا من ذلك.
هذا كتاب يتوجب على الجميع قراءته وليس فقط أن يلتقط بعض الأفكار من مراجعة له. فباتيل يستكشف عالم الديانات ويدرك فجوة أخلاقية رئيسية مفادها أنه لا توجد مجالات جيدة لمشاركة الشباب - لأن الشباب هم الذين يسهل تحويلهم نحو عدم التسامح أو تربيتهم على العدالة، فيقرر أنه يتوجب عليه إنشاء «جوهر الشباب عبر الديانات».
وهو يقوم بذلك فعلا، والبقية كُتِبَت تاريخا. تاريخ يستحق القراءة، وأنا أنتظر بشغف لقراءة الفصل الآتي.
* مدير برنامج في مركز عبر الديانات في نيويورك، وطالب دكتوراه في كلية الاتحاد للعلوم الدينية، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 1809 - الأحد 19 أغسطس 2007م الموافق 05 شعبان 1428هـ