العدد 1808 - السبت 18 أغسطس 2007م الموافق 04 شعبان 1428هـ

المتطرفون في مواجهة القرآن

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

من عجائب القرآن الكريم، ما دوّنه من تأريخ جميل لمولد اثنين من أنبياء الله، مع الاهتمام ببعض التفاصيل الشيقة.

ففي سورة مريم، يبدأ العرض من الآية الثانية بذكر رحمةِ ربِّك عبدَه زكريا، الذي كان يتوق في كبره لأن يهبه ربه غلاما زكيا، بعد أن وهن العظم واشتعل الرأس شيبا وكانت امرأته عاقرا، فتأتيه البشرى بيحيى، حتى ينتهي المشهد بتلك الترنيمة الروحانية الخالدة التي يتلذّذ المسلمون بترديدها: «وسلامٌ عليه يوم وُلد ويوم يموت ويوم يُبعث حيا»، (مريم:15).

بعدها تنتقل إلى مشهد آخر لا يقل جمالية ولا روحانية، للاحتفاء بمولد السيد المسيح (ع): «واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا» (الآية:16). ثم تمثّل الملاك للسيدة العذراء، والبشارة بأن يهب لها غلاما زكيا، ثم انتبذت مكانا قصيا... وهزّها جذع النخلة فتساقط عليها رطبا جَنِيا، وعودتها إلى قومها تحمله، واتهامها ودفاع الوليد المبارك عنها، ثم يختتم المشهد بقوله: «والسلام عليّ يوم وُلدتُ ويوم أموتُ ويوم أُبعث حيا». (مريم: 33).

ما يلفت النظر، أن القرآن الكريم الذي اهتم بالأمم السابقة واستعرض كثيرا من مقاطع تاريخها، وكما رأينا من تفاصيل المولدين الشريفين، هذا الكتاب المقدّس لم يذكر مولد نبي الإسلام (ص)، إنما المسلمون أبدوا اهتماما كبيرا بهذا الحدث التاريخي، لارتباطه بالرجل الذي أخرج العالم من الظلمات إلى النور، وهو ما حاول تصويره شاعر الإسلام الفيلسوف محمد إقبال:

لمــا أطــــل محمــدٌ زكـــــتِ الرُبــــى

وأخضر في البستانِ كلُّ هشيمِ

بل إن كثيرا من الشعراء العرب والأعاجم حجزوا لهم مكانا في ذاكرة شعوبهم لِما أبدعوه في تناول المناسبات الإسلامية من المولد النبوي إلى ذكرى الإسراء والمعراج وغيرهما من محطات تاريخية. وإلى جانب الشعراء، هناك كتّاب السيرة النبوية الذين اهتموا بإيراد تفاصيل مولد النبي (ص) ويتمه وترعرعه في البادية وتجارته إلى الشام... حتى نزول الوحي في غار حراء، كل ذلك اهتماما بشخص النبي وإيفاء بحقه العظيم.

أجيالٌ بعد أجيالٍ من المسلمين جرت على هذه السنة الحسنة، حتى خرجت عليهم بعض الفئات المتشددة التي تنظر إلى العالم كله من منظار «البدعة»، ولو كانت صادقة مع نفسها وبدأت بتطبيق هذه النظرية المغلوطة على نفسها، لكان محرّما عليها أن تقود السيارة لعدم وجودها في صدر الإسلام؛ أو تستخدم الميكروفون في خطبة الجمعة لأن السلف الصالح لم يستخدموه؛ أو توزع بياناتها عبر جهاز الفاكس إلى الصحف كل يوم، لعدم صدور صحف في العهد الإسلامي الأول. ولو واصلنا ذكر الأمثلة لتوجّب على هؤلاء أن يخلعوا حتى (بشوتهم)، لأن سلف الأمة لم يكونوا يرتدون بشوتا مطرّزة وموشّاة... ولا حتى الغترة والعقال.

مثل هذه النظرات والنظريات المستوردة من بيئات صحراوية منغلقة، لا يصح استيرادها وإعادة استنباتها في بيئات حضرية تعيش على التسامح والألفة. وترويج هذه التوجهات الشاذة لا ينسجم مع تاريخ البلد وما تعارف عليه من عيش مشترك، خصوصا أن التطرف بدأ يخلق نوعا من الوصاية على الدولة، للضغط عليها من أجل إيقاف الاحتفال بالمناسبات الدينية التي يحييها العالم الإسلامي أجمع، مثل الإسراء والمبعث النبوي الشريف.

سورة «مريم» مكوّنةٌ من 98 آية، خُصّص ثلثها (33) للاحتفاء بذكرى مولد يحيى وعيسى عليهما السلام، بينما يطالب البعض من هذه الأمة بإلغاء الاحتفال بذكرى مولد سيدنا محمد (ص)... واللهُ غالبٌ على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1808 - السبت 18 أغسطس 2007م الموافق 04 شعبان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً