العدد 1808 - السبت 18 أغسطس 2007م الموافق 04 شعبان 1428هـ

الانتخابات المبكرة ضرورة وطنية

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

لا شك أن الحالة القائمة من الفرقة السياسية في المجتمع الفلسطيني متعمقة وقوية لدرجة أنها بدأت تؤثر بوضوح، ليس فقط على وجهات نظر وآراء الفصائل والشخصيات السياسية، وإنما بدأت كذلك بالتأثير بعمق على الفلسطينيين «العاديين» وعلى طموحاتهم وثقتهم بالفصائل والقيادة السياسية بأسلوب لم تعهده من قبل في تاريخ القضية الفلسطينية.

لا أبالغ إذا قلت إن الفجوة بين الفصائل السياسية الفلسطينية لم تكن في يوم من الأيام عميقة وشديدة كما هي هذه الأيام، حتى قبل أو بعد «أوسلو». نظرة واحدة على الاستطلاع الذي أجرته منظمة «FAFO» النرويجية في الفترة ما بين 2 و12 يوليو/ تموز تفرض علينا أن نتوقف بحذر عندما نكتشف ما يأتي:

أولا، لا يعتقد سوى 31 في المئة من المستطلعين أن حكومة الرئيس فياض شرعية. 28 في المئة من المستطلعين يعتقدون أن حكومة هنية هي الحكومة الشرعية، بينما يعتقد 35 في المئة أن الحكومتين غير شرعيتين.

ثانيا، لا يثق 32 في المئة من الفلسطينيين بالمجلس التشريعي الفلسطيني، ولا يثق 38 في المئة بالهيئات الأمنية، كما لا يثق 52 في المئة كذلك بالسلطة التنفيذية. والأسوأ من ذلك كله هو النتيجة التي تبين أن 42 في المئة لا يثقون بالفصائل السياسية.

هذه النسب تسبب الصدمة من جميع النواحي وسيكون لها أثرا واضحا على كل من يهتم بالقضية الفلسطينية والمستقبل السياسي الفلسطيني. ولكن الفلسطينيين ليسوا بحاجة لمن يصاب بالصدمة أو يتوقف عن العمل. النسب المذكورة أعلاه تعني أن الفلسطينيين بدأوا يفقدون الثقة ليس فقط بالأجهزة الأمنية وإنما بالفصائل السياسية وهذا هو الأخطر. قضية الأجهزة الأمنية ليست هي المشكلة الوحيدة في المناطق الفلسطينية، إذ لها مثيلاتها في عدد كبير من الدول الأخرى. المشكلة هي عندما يبدأ الناس بفقدان الثقة بأحزابهم وفصائلهم السياسية، وما زلنا من دون دولة حقيقية.

لقد خيب أملنا ما حصل في قطاع غزة قبل شهر ونصف، عندما استولت حماس على السلطة بالقوة، ظن الكثير من الفلسطينيين الذين بنوا أمالا لتشكيل طموحاتهم. لم تتصرف حركة حماس بصبر أو بضبط النفس حتى يتسنى لها إجراء تغييرات في المجتمع الفلسطيني. بدلا من ذلك فقدت بوصلتها السياسية وقامت بإيجاد فرقة عظيمة بين قطاع غزة والضفة الغربية.

ويقول الاستطلاع إن 73 في المئة من الفلسطينيين قلقون من أن تنقسم الدولة إلى جزئين، واحد في الضفة الغربية وآخر في القطاع. جاء هذا بالطبع نتيجة للاستيلاء العنفي على السلطة الذي يحاول البعض تبريره. أنا نفسي لا أستطيع أن أجد الاستيلاء عقلانيا إذا ما قورن بالخطر الاستراتيجي الذي نتج عن هذا العنف.

من ناحية أخرى تقول الدراسة نفسها التي قامت بها منظمة «FAFO» إن 14 في المئة من الفلسطينيين يؤمنون بضرورة الفصل بين الضفة الغربية وقطاع غزة. وإذا أخذنا المضمون السياسي لذلك بعين الاعتبار فإن هذه النسبة مرتفعة جدا. وهي كذلك تمثل جزءا مهما من المجتمع الفلسطيني الذي أصيب بالصدمة ليس فقط نتيجة للأسلوب العنفي الذي تم فيه الوصول إلى السلطة وإنما كذلك بالمناظر اليومية للاقتتال الداخلي الذي استمر لمدة تزيد على السنة والنصف في قطاع غزة.

تعاملت دراسة «FAFO» مع الكثير من القضايا. فالدراسة كما أراها تعطي مؤشرات مهمة بأن الفصائل السياسية وقادتها يجب أن يذهبوا إلى الانتخابات التشريعية والرئاسية، ليس فقط لإنهاء حالة النزاع في السلطة الفلسطينية والاقتتال وحصار غزة، وإنما كذلك لإنقاذ الأفراد الفلسطينيين من فقدان الأمل. وتظهر الدراسة أن 49 في المئة من الفلسطينيين لم يكونوا راضين من حياتهم، ولم يجب سوى 3 في المئة بأنهم «راضون جدا» في حياتهم.

إضافة إلى ذلك وحتى تتسنى لنا العودة للتركيز على أهم القضايا، ألا وهي إنهاء الاحتلال وبناء الدولة، أظهرت الدراسة أن 23 في المئة من الفلسطينيين يؤمنون بأن حل الأزمة الراهنة يمكن تحقيقه من خلال حل السلطة الفلسطينية بأكملها. مما لا شك فيه أن هذا مؤشر خطر، ما يؤكد ضرورة إجراء الانتخابات وتغيرات حقيقية في الهيكل السياسي والدوائر الفلسطينية الرسمية عموما.

وإذا أردنا الانتقال إلى الوضع الاقتصادي في فلسطين نلاحظ أن الدراسة تظهر أن 38 في المئة من العائلات الفلسطينية لن تتمكن من الحصول على الاحتياجات الأساسية في الشهور المقبلة إذا استمرت الأحوال الاقتصادية على ما هي عليه. النسبة المئوية هذه تنطبق على كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، على رغم أنها أعلى قليلا في القطاع، الأمر الذي يعكس الزيادة في المعاناة كما ظهر بوضوح خلال الأسابيع القليلة الماضية.

وما يؤكد هذه الحقيقة أن 68 في المئة من سكان غزة لم يدفعوا فاتورة الكهرباء لفترة شهر قبل بداية الدراسة. إضافة إلى ذلك لم يدفع 87 في المئة فاتورة الماء. أرقام كهذه تعطي مؤشرات واضحة في اتجاهين، أولها احتمال انهيار القطاعين الحيويين نتيجة للديون المتجمعة والضرر الكبير الذي سيصيب المؤسسات التي توفر هذه الخدمات، وثانيا أن الفرد الفلسطيني قد لا يصبح قادرا على تغطية المصروفات الضرورية كالطعام واللباس.

أنا واثق بأنه من الضروري تنظيم الانتخابات، ليس بسبب النسب المئوية المذكورة أعلاه وإنما لاعتقادي بأن الانتخابات قد تخرجنا من المأزق السياسي الراهن، وقد تساهم في نشر الشعور بالأمن بدلا من المشاعر العميقة بالخوف وعدم الاستقرار التي نتجت عن سنة ونصف من النزاع العنفي.

القول بأننا أجرينا الانتخابات منذ سنة ونصف فقط وبأن علينا الانتظار سنتين ونصف أخريين لن يزيد سوى من تداعي الوضع. لماذا لا يستطيع الفلسطينيون التعلم من التجربة التركية؟ عندما لم تستطع الفصائل السياسية حل قضية انتخاب رئيس من خلال البرلمان، عادوا إلى الشعب مرة أخرى، بعيدا عن العنف. وبما أن الشعب هو سيد السلطة ومصدرها، فيتوجب إذن العودة إلى الشعب بدلا من استخدام السلاح.

يحاول البعض رفع مستوى الخوف من خلال القول إن الشفافية قد لا تكون متوافرة في هذه الانتخابات. ليس هذا مبررا، خصوصا بوجود احتمال توفير مراقبين محليين ودوليين للرقابة على الانتخابات. إضافة إلى ذلك فإن تكرار الإجراءات المستخدمة في الانتخابات الماضية سيجعل بالإمكان إدارة العملية الانتخابية بسهولة.

لا نستطيع القول إن الانتخابات المبكرة ستجعل الحياة أفضل أو أن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية ستتحسن أو أن الحلول السياسية ستكون أسرع للقضية الفلسطينية، أو أن الانتخابات ستحل، كالعصا السحرية، جميع المشكلات المعلقة في الساحة الفلسطينية، ولا أن الانتخابات ستساهم فيما يأتي:

أولا، أنها ستعيد الاحترام لسمعة الشعب وقضيته العادلة أمام جميع الذين يساندون شعبنا ويقفون معه ومع قضيته العادلة، بعد أن خيبنا ظنهم باقتتالنا الداخلي، باستيلائنا على السلطة بقوة.

ثانيا، سيساعد ظهور سلطة واحدة وقوة واحدة على جعل المفاوضات مع الإسرائيليين على أساس السلطة والتركيز بدلا من أن يكون جزءا كبيرا من شعبنا وفصائله مقسمة وقد صرفت انتباهها قضايا ليست ذات علاقة.

ثالثا، إعادة بناء مؤسسات الخدمات الفلسطينية التي استهدفت من قبل الإسرائيليين بهدف إضعافها. لقد ساهمنا نحن الفلسطينيون في تهميش هذه المؤسسات وحولناها إلى مؤسسات لخدمة الفصائل والأحزاب وليس الشعب.

رابعا، محاولة رأب الصدع والتخفيف من حرارة النزاع بين الفصائل والقوى السياسية بطريقة تخدم الفرد في حياته الشخصية. كإنسان، لا يستطيع الفرد الذي يفقد أمن أسرته أو بيته نتيجة لنزاع داخلي أن يساهم في القضية السياسية حتى في مستواها المحدود جدا.

*صحافي في وكالة أنباء «معا»، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 1808 - السبت 18 أغسطس 2007م الموافق 04 شعبان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً