أصدر مجلس بلدي المنامة قرارا في الفترة القريبة الماضية يلزم ساكني المنامة ( القديمة) بإزالة الحواجز الحديد والإشارات التي يحجزون بها مواقف لسياراتهم أمام منازلهم، وإلا تعرضوا للمخالفة. هذا القرار استقبل بترحيب من بعض الأشخاص، وبامتعاض كبير من أشخاص آخرين. فللقرار ضرر كبير على السكان أنفسهم من البحرينيين الذين لا يزالون « صامدين» في السكن في هذه المدينة التي هجرها أهلها واستوطنها الأجانب. يرى بعض السكان أن عدم تمكينهم من حجز مواقف أمام منازلهم إجحاف بحقهم، وتمكين للأجانب الذين يسكنون في سكن للعزاب بالعشرات بل ربما المئات من استغلال هذه المواقف لإيقاف سياراتهم التي يستخدمونها لأعمالهم الخاصة طوال اليوم، بينما يعجز الفرد الساكن في هذه المنطقة عن الحصول على موقف لسيارته قبل دخوله منزله، ويضطر إلى الدوران في « الدواعيس» لمدة ساعة إلى أن يحصل على موقف ربما يكون بعيدا جدا عن منزله. وجهة النظر الأخرى لسكان آخرين في المنامة أيضا ترى في القرار حكمة وفائدة مباشرة عليهم، فهم لا يجدون أصلا مساحة مناسبة أمام منازلهم لوضع حاجز من أي نوع لحجز موقف لسيارة، وهم يعانون الأمرين بالفعل من قبل أن يتخذ هذا القرار. ولعل تطبيق هذا القرار سيعطيهم فرصة « عادلة» في الحصول على موقف « محترم» بالقرب من منازلهم، بدلا من « الشحططة» اليومية في رحلة البحث عن موقف.
لا نعرف الدوافع الحقيقية وراء هذا القرار، وربما يجب أن نأخذ بعين الاعتبار كلتا وجهتي النظر، جنبا إلى جنب مع حقيقة أخرى يعرفها القاصي قبل الداني، وهو وجود مشكلة « أزلية» لمواقف السيارات في المنامة، لن يفيدها كثيرا إيجاد حلول ترقيعية مؤقتة هنا وهناك، فهي بحاجة إلى حلول جذرية. ولكن لماذا اللجوء إلى هذا القرار الآن بالذات على رغم من أن مشكلة المواقف موجودة « منذ الأزل»؟ لعل أكثر التفسيرات التي يرددها المواطنون تهكما في مثل هذه الأحوال هو « انخفاض الموازنة لدى البلدية، ولذلك تلجأ للقيام بحملات واسعة للمخالفة والتفتيش لدعمها من جيوب المواطنين». وعلى رغم مما يثيره هذا السبب من سخرية، إلا أنه يدفعنا لسخرية أكثر عبر ربط كل القرارات التي تتخذ من عدد من الجهات ببعضها بعضا في سلسلة متصلة. إذ طالعتنا الصحف أخيرا برفع قيمة مخالفة استخدام الهاتف النقال في السيارة من 50 إلى 500 دينار. وعلينا فقط أن نتخيل من هذا الشخص الذي يمكن أن يقوم بمخالفة قيمتها تصل إلى 500 دينار في مجتمع لم تتمكن فيه وزارة العمل بعد من رفع الحد الأدنى للأجور إلى 200 دينار فقط.
على رغم من تأييدنا التام للالتزام بالقانون واتخاذ إجراءات السلامة على الطريق، ورغبتنا الحقيقية في منع الحوادث والتجاوزات وإعطاء كل ذي حق حقه في الطريق، على رغم من ذلك كله لا نزال نجد أن كثيرا من القرارات لا تأخذ بعين الاعتبار الجزء الآخر من الصورة، الجزء الذي يكملها ويجعل منها صورة واضحة ومنطقية ومعقولة. والذي يجعلنا ندفع رسوم المخالفة برحابة صدر لأننا نعرف أننا ارتكبنا خطأ يستحق المخالفة، ولأننا نعرف أننا ندفع كغيرنا. ويكفي لكي نشاهد الصورة الأوسع أن نقول بأنه على رغم من كل القوانين والمخالفات التي سنت على السائقين، لا تزال الحوادث مستمرة، ومازلنا لا نأمن على أنفسنا في الطريق. فلماذا؟
إقرأ أيضا لـ "ندى الوادي"العدد 1807 - الجمعة 17 أغسطس 2007م الموافق 03 شعبان 1428هـ