لم يتهيأ لي الخروج لمثل هذه الرحلة، والملامسة اليومية لحياة الشعوب الأوروبية، لولا توفيق الله وفضلٌ كبير من أخي وصديقي العزيز جدا منذر سيد آل شرف، حفظه الله وأهله من كل شر ومكروه، وكما يقول المثل لدينا: نصف السفر يوم السفر، وأنا أقول: نصف السفر منك يا «بوسلمان».
الأخ منذر هو من ساعدني في حجوزات الفنادق على الانترنت، وأرشدني على موقع إلكتروني اسمه «العرب المسافرون»، وهو موقع مليء بتجارب العرب المسافرين إلى دول العالم قاطبة؛ تجارب سياحية، دراسية ومهنية... إنه موقع حري بالقائمين على المواقع الطائفية، لدينا في البحرين، المرور عليه، ليعرفوا كيف يستفيد البشر الأسوياء من التكنولوجيا، إذ جني فائدة الانترنت في المرور على مثل هذه المواقع يفوق ألف ألف مرة من المرور على المواقع الطائفية التي لا فائدة منها إلا تأجيج الصدور، وزرع الحقد بين الناس.
هبطنا من الطائرة في مطار «فيينا»، وكان الجو غائما ربيعيا بالنسبة إليهم (النمسويين)، باردا بعض الشيء بالنسبة إلينا نحن القادمون من حر «الخليج العربي» ولهيبه، والانقطاعات المستمرة للكهرباء، والتي كأننا لا ندفع فاتورتها كاملة بـ «الفلس». لم يكن وقوفنا في طابور الانتظار في مطار «فيينا» لأكثر من عشر دقائق مليئة بالنظام والانضباط الدقيقين، وبعد تسليمنا موظف الجوازات جوازاتنا قال: دنكشون، وهي الكلمة التي يرددها النمسويون بإفراط. وهي تعني شكرا أو أحسنت. بعد عشر دقائق نحن نستقل التاكسي إلى مقر إقامتنا. هكذا بكل سهولة ويسر ومن دون «شحططة ومقاصص» مع سائقي التكاسي، ودونما بغشيش لموظف الجوازات أو الجمارك.
في الطريق العام تجد الناس يسيرون بانتظام دقيق، كل يحسب خطواته إلى المكان الذي يريد... فحركة المواصلات لديهم دقيقة جدا، والوقت مقطوع بأهميته في حياتهم، تماما وكأنهم يؤدون واجبات عسكرية لا دلع فيها ولا «تمطمط»... كل يسير بحسب جدوله الخاص وبرنامجه المعد مسبقا.
هنا في «فيينا» الناس ودودون لآخر حد، فبمجرد سؤالك عن مكان ما تجدهم يرشدوك إليه بأسرع الطرق، ويشيرون عليك فيما تختار من وسائل مواصلات. تلك الرحابة تجعل من الزائر يطمع في أن يسأل كل دقيقة، وأمام كل تقاطع طرق!
ساحة «ستيفانز» الأشهر على الأطلاق في «فيينا»، وتتوسطها كنيسة، والساحة مرمى السواح من شتى بقاع الأرض، و»الخلايجة»، وكذلك الآسيويين، هم الفئة الأكثر وجودا في الساحة، وذلك ملاحظ حيث أشكالهم متميزة... في «مارية هيلفر» توجد سوق كبيرة تحوي محلات كثيرة على جانبي الطريق. أما ملاهي «براتر» فهي مدهشة ورائعة، والتي يشاهد الراكب من خلالها مدينة «فيينا» بأكملها تقريبا. والمنظر الذي لا ينسى، هو من فوق برج الدانوب، هذا النهر العظيم الذي يشق طريقه في أكثر من دولة.
في تعاملهم اليومي، لدى النمسويين، كنموذج عن الأوروبيين، 1+1=2 فقط لا غير، وليس كما هو الحال في مجتمعاتنا العربية والإسلامية إذ 1+1 ممكن أن يساوي عشرين! «فيينا» هي عاصمة الاوبرا العالمية، والفن والثقافة الراقيين جدا. أحد ملوك أوروبا قال: «إن كانت هناك مدينة فهي «فيينا»، ولا مدينة سوى «فيينا»... وذلك اعترافا بمكانتها ودورها الريادي المديني.
وللحديث بقية، إن كان في العمر بقية.
إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"العدد 1807 - الجمعة 17 أغسطس 2007م الموافق 03 شعبان 1428هـ