العدد 1807 - الجمعة 17 أغسطس 2007م الموافق 03 شعبان 1428هـ

لا أريد أن أكون زيـادة عدد وأبـدع فـــي أحلك الظروف

المصورة البحرينية أم يقين:

من أروقة حي شعبي بإحدى قرى المملكة خطت خطواتها ضاربة العرف آنذاك عرض الحائط لتتحدى أحلك الظروف الحياتية صعوبة وتشق عباب المستحيل راسمة طريقا يضم بين جنابته بصماتها «المبدعة» في ساحة عج فيها الغث والسمين، طريقا يكون لها مصدرا للرزق والمتنفس الوحيد الذي تبث فيه قدراتها فتصقلها بالممارسة، وتستقي من ضحكات هنا وهناك لقطات تجسد فرحا، عملا ورسالة هادفة، خلف عدسة لا تعرف الخوف والخجل وقفت المصورة البحرينية أم يقين بحركات لا تخلو من الجرأة تحدت ظروفها تحديا لا يقل ضراوة عن تحديها أقرانها من الرجال في قطاع لا تتجاوز فيه أعداد الوجوه النسائية أصابع اليد ألا وهو قطاع التصوير.

«ألوان الوسط» ارتأت أن تنقل عبر هذه السطور قصة كفاح بحرينية تستوجب الأقلام عندها الوقوف مبهورة ومتأثرة تارة ومسجلة حوادثَ قد تكون مألوفة ودارجة في الكتب والقصص والروايات تارة أخرى بيد أنها واقعية متجسدة في غرفة صغيرة على ما يبدو صممت ديكوراتها عين تنظر إلى الجمال من زواياه المختلفة فتناثر شجيرات في زاوية تلك الغرفة وأزهار في الزاوية المقابلة يشعرك لوهلة أنك في حديقة لا غرفة خصصت لعمل حر.

وإشعال شموع تصارع ضوء مصابيح هادئة يدفع بك للجزم أن صاحب هذا المكان يمزج الطبيعي بالمصطنع ليرسم لوحة فنية تضم شتى الأضداد.

وعلى طاولة وضعت بعناية في تلك الغرفة تزاحمت فوقها أجهزة بعضها مألوف كشاشة حاسب آلي وطابعة وما تبقى من أجهزة على ما يبدو مخصصة لصميم عملها.

ولو جلت بنظرك قليلا لوجدت طاولة صغيرة تضم عددا من الكتب والمجلات والدوريات تركز على فن التصوير واللقطات وأنواع الكاميرات وآخر تطورات عالم التصوير وإبداعاته العربية والعالمية وعلى مقربة منها عدد من العطور العربية لاستقبال الضيوف والزبائن.

كما ستكون مجبرا على أن تمعن النظر في عدد من ألبومات الصور وضعت على أحد الأدراج، صور ليست بالعادية بعضها ناطق والآخر ينقل فكرة أو رسالة كما تبهرك بعض الصور التي تنطق إبداعا، فبين صورة لمجموعة من الجمال تنظر إلى السماء تحسبها تسبّح بحمد الله تجد صورة أخرى لحذاء على مقربة من صخرة على الشاطئ تخبرك أن ما تبقى من الغريق حذاؤه.

كما تقف فاتحا فاك أمام صور لحفلات زواج تمزج فيها الألوان وبراعة التصوير والحس الفني في استغلال الزوايا والتقاط اللفتات التي منها صورة سيدة منقبة ذات عين عربية كحيلة على مقربة من صقر قرشي يحوي بالأصالة وصورة أخرى تعبر عن علاقة زوجية مقدسة من خلال لقطة جريئة لنظرة إلى زوجين بالأبيض والأسود وتتوسطهما تفاحة حمراء تشير إلى قصة نبينا آدم.

لم تقف إبداعاتها عند التقاط صور فوتوغرافية أو تصوير الفيديو والتلاعب ببرنامج الفوتوشوب بل تعدى طموحها المألوف، إذ وضعت نصب عينها تصميم ما يعرف بـ «ديجيتل ألبوم» الذي يضم صورا تتعرض لعملية «الليمنيشن» فضلا عن تصوير صور بحجم A4 إلى جانب إلمامها بالتصوير بآلة التصوير الرافعة.

زوايا فنية

قد يبدو مألوفا أن يصمم الفرد مكان عمله الخاص بما يتواءم مع طبيعة هذا العمل بيد أنه من اللافت في قصتنا أن تصمم وتعد المصورة أم يقين كل زاوية في منزلها وتهيئها لتكون أستوديو منفصلا بذاته ابتداء من صالة الضيوف مرورا بغرف أطفالها وصولا إلى السلم وانتهاء بالمطبخ والغرف الأخرى فلا تستغرب إن وجدت زاوية فلكلورية وعلى مقربة منها زاوية تصرخ بكل ما هو جديد كما لن تعدم الوسيلة لالتقاط صورة لأطفالك في إحدى زوايا غرف أطفالها.

جرت العادة أن تسرد القصص من بداياتها متدرجة في مراحلها وللخروج من دائرة المألوف استوقفتنا بعض من كلماتها عن نظرتها للمستقبل وبأي عين ترى نفسها الآن، فعلى رغم حداثة تجربتها التي لم تتجاوز السنوات العشر أكدت بكلمات لا تخلو من التحدي أنها لا ترغب في أن يكون استوديوها الخاص زيادة عدد في الساحة. كما أنها ترى ضرورة أن تضيف «الجديد والمبدع» إلى عمل تعشقه عند فتحها أبواب أستوديو سترفع عليه يوما لافتة تحمل اسمها.

ومما هو متعارف عليه أن التصفيق الأول والإطراء الأول فضلا عن تفوق المرحلة الابتدائية لا يمكن نسيانه وهذا هو الحال بالنسبة إلى بدايات أم يقين فتصويرها فيديو لحفلة عيد ميلاد طفلها البكر مهدي وتركيزها على تأريخ هذه اللحظات لحظة بلحظة كانت فاتحة الخير عليها ومن ثم تصويرها حفلة زواج إحدى قريباتها التي تقاضت عليها مبلغا لم يتجاوز 6 دنانير والنصف دينار.

وتوالت عليها عروض الحفلات والمناسبات والمهرجانات لتصل إلى مرحلة تتخطى فيها حدود المملكة حاملة كاميراتها لتشارك دول خليجية أفراحها ومناسباتها.

ولتصقل موهبتها وتدعمها بالمعرفة لم تتوانَ عن تلقي دورات في بعض المعاهد فضلا عن الاستفادة من تجارب الآخرين وتطويرها إلى جانب الاستعانة ببعض الخبرات في هذا القطاع كخبرة المصور حسين العلي والمصور محمد شبيب وتعاون بناء مع جمعية الفنون التشكيلة ومن ثم نيلها شهادة من جامعة أولدومينو الأميركية فضلا عن اطلاعها المستمر على آخر تطورات هذا القطاع على شبكة المعلومات الإنترنت واستقائها الأفكار وتطويرها بإضافة لمسة جميلة لها.

في كل وردة شوك ولكل عمل صعوباته وعراقيله فإن كانت العقبة الأولى التي واجهت أم يقين رفض المجتمع عمل المرأة ليلا فإن غلاء المواد الخام والأجهزة المستخدمة في قطاع التصوير عقبة لا تقل صعوبة عن الأولى إلى جانب ضغط العمل الذي يرمي بثقله على حياتها الاجتماعية.

يقال وراء كل رجل عظيم امرأة ويقول البعض الآخر العكس في الوقت الذي تسطر أم يقين عبر هذه السطور على عجالة شكرها زوجها الذي كان السند لها منذ بداياتها وتابعها خطوة بخطوة وفي أحيان كثيرة كان السبب في إبداعها كما لم تغفل فضل أعز صديقاتها نعيمة الجريش التي كانت أول من قدم إليها المساعدة والعون في عملها وتشاطر معها الهم وضغط العمل.

مسك الختام

تلمسنا على عجالة ملامح قصة من عبق قرى البحرين، إن بشرت بشيء فإنما تبشر بأن المرأة البحرينية قادرة على التحدي والإبداع في أصعب ظروفها، ولربما الناظر إلى هذه القصة يتلمس حيثياتها والقيمة الإنسانية التي ترسخها في الأذهان أن الحياة لا تقف عند عقبة وأن خيوط حياتنا بيدنا ولاسيما بوجود الموهبة.

العدد 1807 - الجمعة 17 أغسطس 2007م الموافق 03 شعبان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً