تعد مصر واحدة من أبرز نقاط الجذب السياحي بين دول العالم نظرا إلى ما تتمتع به من كنوز سياحية متعددة الوجوه، ومن أهمها السياحة الثقافية، إذ الحضارات القديمة ماثلة للعين، وتنطق بما كانت عليه الأمم التي شيدت تلك الحضارات منذ فجر التاريخ.
وإلى جوار المنتج السياحي الثقافي القديم فإن تراكم عطاء تلك الحضارات اختزن في تراث إنساني فريد تعبر عنه حياة المصريين المتنوعة والغنية بأنماط مميزة من الطبائع والسلوكات والعادات جعلت من الإنسان المصري نفسه المجبول على عصارة موروثات حضارية عريقة نقطة جذب سياحي منفرد.
ولم تبخل الطبيعة على مصر بعطائها فقد وهبها الله تميزا في طبيعتها يستهوي الأبصار والقلوب، ولا يكتفي الجمال والسحر بمجرد النيل وعاء أبديا يستقر فيه، وإنما امتد جمال مصر ليزين ساحليها على البحرين الأبيض والأحمر وليغوص عميقا في صعيدها وينتشر في صحرائها وليصنع ذلك كله العنوان الأشهر... مصر عبقرية المكان، مصر غنية عن التعريف... في التاريخ هي الأشهر... فرعونيا ويونانيا ورومانيا وعربيا وإسلاميا. وفي العطاء الإنساني هي معمل ومخزن المنتوج الثقافي العربي والإنساني في الفكر والأدب والسياسة والفن والصحافة والعمارة وتفردت مصر بكثرة المناطق الجاذبة للسياحة.
ويترافق مع هذه المقومات الهائلة للمنتج السياحي المصري بنية أساسية متطورة وحديثة من المرافق والمنشآت ومختلف مستلزمات الخدمات السياحة الراقية من مجموعة كبيرة من أفخم الفنادق العالمية إلى شبكة مواصلات جوية وبرية وبحرية ونهرية متميزة ومرافق اتصالات ومراكز إرشادات سياحية تجعل من زيارة السائح لمصر مهما كان هدفه ومقصده زيارة مفعمة بالمتعة والإثارة والفائدة.
القاهرة... الإسلامية والمسيحية والفرعونية
القاهرة هي عاصمة مصر وكبرى مدنها وهي مقسمة إلى ثلاث مناطق سياحية رئيسية:
1. القاهرة الإسلامية
وتحتضن الكثير من الآثار الإسلامية مثل المساجد والأسواق والقصور والأسوار، وفيها الجامع الأزهر الشريف الذي شيد خلال الخلافة الفاطمية بالإضافة إلى المتاحف مثل متحف الفن الإسلامي الذي يقع في ميدان باب الخلق ويضم 80 ألف تحفة فنية تمثل الحضارة الإسلامية أشهرها أضخم مصحف في العالم مكتوب بخط اليد ومجموعة من الخزف الفاطمي ورسم للكعبة الشريفة على بلاط من الخزف إلى مجموعة من المباخر والشمعدانات. كما يوجد متحف قصر الجوهرة الذي شيده محمد علي ومتحف قصر المنيل الذي بناه الأمير محمد علي توفيق، ويجمع طرازه بين العمارة التركية والعربية والفارسية ويضم مجموعة نادرة من المخطوطات والتحف الفنية للعصر العثماني.
2. القاهرة المسيحية
توجد بمنطقة مصر القديمة حيث توجد كنيسة المعلقة التي شيدت على مقر الجيش الروماني بمصر القديمة البرج الجنوبي لحصن بابليون، وشيدت على الطراز البازيلكي، وكنيسة أبي سرجة التي استقرت فيها العائلة المقدسة بعد فرارها إلى مصر ولها ثلاثة هياكل وبهو يضم 12 عمودا مزينة بصور تلاميذ السيد المسيح وكنيسة العذراء عليهما السلام المعروفة بقصرية الريحان وكنيسة مار جرجس التي بنيت في القرن الثالث عشر وكنيسة القديسة بربارة التي شيدت في مطلع العصر الإسلامي.
وهناك مزارات مسيحية أخرى مثل شجرة العذراء الواقعة بالمطرية والمتحف القبطي الذي يحتوي على كتب نادرة تصل إلى 7000 كتاب عن الفن القبطي واللغة القبطية وتاريخ مصر خلال العصر القبطي.
3. القاهرة الفرعونية
تشمل مدينة أون (شمال القاهرة)، ومدينة منف (عاصمة مصر القديمة). وأهم معالمها أهرام خوفو وخفرع ومنقرع وأبوالهول ومراكب الشمس وآثار سقارة وأهرام أوناس ومقابر النبلاء ومنطقة آثار ميت رهينة وتمثال رمسيس الثاني ومعبد بتاح ومعبد تحنيط العجل الأبيض وثالوث ممفيس من الغرانيت ومعبد رمسيس الثاني ومقصورة تي الأول ومنطقة آثار أبوصير ومنطقة آثار دهشور. وفي القاهرة يوجد المتحف المصري الذي يضم أكثر من 150 ألف قطعة أثرية معروضة ومئات الآلاف من القطع الموجودة في المخازن. ومن موجودات المتحف مجموعة آثار مقبرة توت عنخ أمون كما يضم تمثال الملك خفرع والملك منقرع وكنوز أميرات الأسرة الثانية عشرة، أما في منطقة الأهرامات فإن مشروع الصوت والضوء يحكي تاريخ مصر بعدة لغات خلال ساعة من الزمن تتخللها الموسيقى والمؤثرات الأخرى وهناك عدد من المتاحف الأخرى في القاهرة ومساجد عَمْرو بن العاص وابن طولون والسلطان حسن ومحمد علي.
الإسكندرية
العاصمة الثانية لمصر وأكبر موانئها على البحر الأبيض المتوسط، وهي تضم كنوزا من المعالم الحضارية القديمة، وتتمتع بطبيعة نادرة وجو معتدل طوال العام. ويمتد تاريخها إلى أكثر من 5000 سنة وفيها عشرات المزارات السياحية الحديثة والقديمة التي تضم المساجد والكنائس والقلاع والمتاحف والآثار الفرعونية واليونانية والإغريقية والإسلامية وفيها الأسواق القديمة والقصور الفخمة والحدائق الغناء.
ومن عناوين حضارتها البارزة مكتبة الإسكندرية التي أعيد بناؤها حديثا لتكون صرحا ثقافيا وحضاريا عالميا، وشواطئ الإسكندرية خلابة مشهورة تعج بالمنشآت السياحية الجديدة والمنتجعات الاستجمامية والعلاجية والثقافية.
كما أنها المدينة التي يجتمع فيها الماء العذب والماء المالح، إذ يأتيها العذب من نهر النيل عن طريق ترعة المحمودية التي تخترق المدينة بطولها والماء المالح من المتوسط، ناهيك عما يلاقيه الزائر من بشاشة الوجوه وكرم الضيافة الإسكندرانية.
أسواق المدينة
اشتهرت الإسكندرية في العصور الإسلامية المختلفة بكثرة صناعاتها وجودتها، وأهمها صناعة النسيج والفخار والزجاج والصابون والسفن، وربما تعد صناعة النسيج أهم ما اشتهرت به المدينة؛ ولذلك كان العرب يعتمدون هذه الشهرة في كسوة الكعبة المشرفة. من أشهر أسواق هذه المدينة العريقة التي تستهوي السائح سوق العطارين التي كانت تختص ببيع جميع أنواع العطارة والبقوليات والبذور والحبوب، ثم اتسع نشاطها ليشمل جميع السلع الأخرى من ملابس وأجهزة وأحذية وغيرها، كما توجد أسواق قديمة مازالت محتفظة بخصائصها، مثل سوق الخيط التي تختص ببيع جميع أنواع الخيوط والزراير والست وجميع لوازم فنون التطريز والحياكة، وسوق زنقة الستات المختصة بجميع لوازم النساء، وسوق المغاربة... وغيرها.
قلعة قايتباي
تقع قلعة قايتباي التي أنشأها القائد المسلم السلطان الناصر بن قلاوون للدفاع عن المدينة فوق جزيرة فاروس بحي الأنفوشي، وهي من القلاع المشهورة في العالم بما تمثله من مبان ٍمحصنة تحصينا ذكيا وهندسيا رائعا، وتقع في الطرف الشمالي لمدخل الميناء الشرقي في موقع نفسه فنار الإسكندرية العظيم، وشيدت القلعة في القرن الخامس عشر.
مساجدُ وكنائس الإسكندرية الحالية
من أهم السمات الحضارية الإسلامية في الإسكندرية المدارس والمنشآت الدينية المنبثقة عن الأزهر الشريف ومئات المساجد الكبيرة، القديم منها والحديث، ولعل أشهر تلك المساجد هي التي تتركز في حي الجمرك الذي يعد الثقل الديني في المدينة، إذ يبلغ عدد المساجد فيه نحو 80 مسجدا. مسجد سيدي أبي العباس المرسي ويمتاز بمنارته الشاهقة الارتفاع وقبابه الأربع. ومسجد الإمام البوصيري الذي يعد من تلاميذ أبي العباس المرسي، واشتهر بالشعر الصوفي في حب الله تعالى ومدح الرسول (ص) ومن قصائده «نهج البردة». ومسجد سيدي ياقوت العرش وتقع جميعا بميدان المساجد بحي الأنفوشي المطل على البحر المتوسط ومسجد سيدي جابر الأنصاري ومسجد القائد إبراهيم الواقع في منطقة محطة الرمل الذي بني العام 1240م.
المكتبات والمتاحف الفنية
تفتخر الاسكندرية دائما بأنها أول مدينة في العالم احتوت على كبرى المكتبات العالمية من قديم الزمان، ولعلنا نذكر مكتبة الإسكندرية القديمة التي أحرقت أو دمرت ومن مكتباتها مكتبة البلدية التي هي من أقدم المكتبات التي تحتوي على مخطوطات وكتب نادرة عن الفتح الإسلامي والعصور القديمة، ولعل أحدث مكتبة أنشئت بالإسكندرية هي مكتبة الإسكندرية الجديدة البديلة عن المكتبة القديمة التي دمرت، وتحقق بإنشائها حلم مئات السنين فأصبح حقيقة وصرحا شامخا أمامنا اليوم بمنطقة الشاطبي أو لسان السلسلة تحديدا على شاطئ البحر المتوسط في الحي الملكي القديم المنتمي إلى الحضارات المصرية واليونانية والرومانية والإسلامية.
القصور والمتاحف الأثرية
تحتوي الإسكندرية على الكثير من القصور الفخمة أشهرها وأهمها قصر المنتزه المطل على البحر الأبيض المتوسط الذي يتوسط مساحة 350 فدانا من أخصب الأراضي الزراعية المزروعة بأروع الأشجار، ومجموعة من أحواض الزهور والحدائق الغناء، فهي جنة الله في الأرض، ويجاور القصر قصر آخر يسمى قصر السلاملك كان مخصصا لرجال حاشية الملك السابق، وقصر ثالث يسمى قصر الحرملك خاص بنساء الحاشية، وتم بناؤها جميعا على الطراز الإسلامي. كما أن هناك قصورا أخرى مثل قصر أنطونيادس بحدائق النزهة، الذي يقع أيضا وسط حدائق خلابة تنتشر حوله تماثيل أبدعها عظماء الفنانين العالميين، وقصر الصفا بحي زيزينيا، وقصر العروبة وقصر رأس التين في منطقة رأس التين أو بحري، كذلك قصر الأمير كمال بمنطقة إستانلي وغيرها.
المنشآت السياحية والترفيهية
تشغل الإسكندرية شريطا ساحليا يصل إلى 70 كيلومترا على البحر، وتمتلئ بالكثير من المنشآت السياحية والترفيهية، كدور السينما والملاهي والنوادي والمسارح وغيرها، ويتم تجميل كورنيش المدينة وتوسيعه بضعف مساحته، وأنشئ الكثير من الأماكن الترفيهية والسياحية بالقرب منه وبشكل لا يحجب التمتع بالرؤية الطبيعية لجمال البحر وشواطئه التي تمتد من أبي قير إلى نهاية الساحل الشمالي قرب مدينة القاهرة، حيث تمتد القرى السياحية المصممة على أحدث الطرز السياحية العالمية على طول الساحل.
وفي الإسكندرية عشرات الألوف من الشقق السكنية المفروشة المنتشرة في جميع أحياء المدينة، بالإضافة إلى عشرات الفنادق، سواء من الدرجة الأولى أو من الدرجة الأقل والمنتشرة أيضا على طول الساحل وداخل المدينة. وفيها أيضا أنواع المطاعم والمزارات والمتنزهات العامة والخاصة والغابات الكثيفة بأطراف المدينة ذات الأشجار اليانعة والمثمرة، وتزدان شوارعها بالتماثيل والأعمدة الرخامية الضخمة.
العدد 1807 - الجمعة 17 أغسطس 2007م الموافق 03 شعبان 1428هـ