استقبل المدخنون في البحرين قبل فترة قصيرة خبرا غير سار لهم، وهو منع التدخين في الأماكن العامة المغلقة والمنشآت الصناعية، وذلك ضمن حملة للحد من التدخين، قد تتدرج مستقبلا لقرارات منع أخرى.
طبعا مع تزايد عدد المدخنين عالميا فإن هذا النوع من القرارات بات له صدى كبير، خصوصا إذا عرفنا أن نسبة المدخنين من سكان الكرة الأرضية قد وصل إلى ما يقارب 1.1 مليار مدخن بحسب آخر إحصاء عالمي، فيما وصلت نسبة النساء المدخنات في العالم إلى 12 في المئة، ما جعل السيجارة تستحق بكل جدارة لقب (آفة العصر).
في مقابل هذا التزايد المخيف لنسب المدخنين من جميع الأعمار، طبقت الكثير من الدول قرارات منع التدخين في الأماكن العامة والمطاعم والمقاهي، آخرها كان قرار المنع الذي صدر في بريطانيا، هذه القرارات تواكبت مع كم هائل من الأبحاث التي تؤكد أن النيكوتين والتدخين بجميع أشكاله مسبب رئيسي لسرطانات، ولزيادة فرص تدهور الصحة وبالتالي الموت.
مع تصاعد هذه الحملة العالمية كان للبحرين نصيب فيها، فتضاربت الآراء والمواقف وإن كان القرار في النهاية طبق، وبات ساريا في جميع المجمعات التجارية، وعلى رغم البدايات الملتزمة بتطبيق القرار، فإننا على رغم عدم مرور وقت طويل على بدايته بدأنا نرى انتهاكات وتجاهلا للمنع، خصوصا في المجمعات، فيما أطرت المقاهي والمطاعم في هذه المجمعات لتطبيقه لأن تحرير مخالفة بحقها أسهل بكثير من تحرير مخالفة لشخص يدخن في وسط مجمع. للدقة هذا القرار لم يطبق للمرة الأولى قبل عدت أشهر، فالكثير من المطاعم والمقاهي تفرد مكانا خاصا للمدخنين بعيدا عن غير المدخنين، وتوجد به مواصفات معينة تمنع تجمع الدخان في حيز المكان، ما يخفف مضار التدخين على غير المدخنين، وقد لاقى هذا الأسلوب تقبلا من مرتادي هذه الأماكن، على رغم أن الحيز المخصص للمدخنين في غالب الأحيان يكون أصغر ما قد يؤدي لعدم وجود أماكن شاغرة في قسم المدخنين فيطرون للجلوس في القسم الآخر من المكان.
وعلى رغم إقرار الكثيرين بصعوبة الإقلاع عن التدخين خصوصا من قبل قدامى المدخنين، وفشل الكثير من وسائل الإقلاع من لصقات، وأنواع لبان (علكة) وأنواع سجائر تدفع المدخن للتخلي عن سيجارته، فهذه الوسائل أيضا لم تحقق نجاحا باهرا أمام سطوة السيجارة على المدخن، إلا أن هناك الكثيرين من المدخنين أنفسهم يؤيدون هذا القرار وإن كان بتحفظ من بعضهم، على أمل أن يكون هذا المنع دافعا لتركهم، أو بالأصح لإجبارهم على ترك التدخين.
فمع مرور الزمن بات تقبل السيجارة في (يد الشاب تحديدا) أمرا مقبول، على خلاف ما كان عليه الوضع سابقا، فقديما إذا ما رأى الوالد أحد أبنائه يحمل سيجارة كان من الممكن أن تقوم ضده حملة مهولة من قبل الأهل وحتى الجيران لمنعه من السيجارة، لكونها تعديا أخلاقيا صريحا على المجتمع، وهتكا لأحد المحرمات، إلا أننا الآن بدرجة ما بات الكثير من الآباء يتقبل تدخين ابنه الذي تجاوز أواسط العشرين، لسبب بسيط هو أن ابنه تعلم التدخين منه هو، وأول لفائف السجائر التي حصل عليها حصل عليها من علبة والده، فبالتأكيد على رغم محاولة الأب منع ابنه فإن حجته في النهاية ستكون ضعيفة لكونه غير قادر على منع نفسه أولا.
ولعله من الطريف أنه قبل عدة أيام ورد خبر عن سيدة أوروبية، طلبت من القائمين على أحد السجون في بلدها أن يودعوها السجن لعدة أيام، مقابل أن تدفع جميع كلف اقامتها، لعل السجن الذي يمنع التدخين فيه، يساعدها على ترك التدخين بعد أن فشلت جميع الوسائل في ردها عن التدخين.
يبقى الآن أن ننتظر مستقبل هذا القرار في البحرين، فهل سيطور ليشمل عددا أكبر من الأماكن، ويطول المحلات التي تبيع السجائر حتى؟. أم أن السيجارة ستتغلب بسطوتها على تلك القرارات لتفرض نفسها كأهم وأكبر آفة مرت على العالم؟.
العدد 1807 - الجمعة 17 أغسطس 2007م الموافق 03 شعبان 1428هـ