أجد - بصفتي شخصا يؤمن بأساسية إعادة الحكمة السياسية إلى سلوك السياسة الخارجية الأميركية - أن من المطمئن وليس المزعج أن يبرز حوار بين السناتور هيلاري كلينتون والسناتور باراك أوباما بشأن ظروف لقاء أو مشاركة قادة الدول المارقة. لا تفهموني خطأ. لست بالضرورة من أنصار مقابلة زعيم مثل محمود أحمدي نجاد الإيراني. هناك زعماء تخطّوا مرحلة الحوار. ولكن هناك أمرا أكيدا عند ممارسة الحكمة السياسية، فمن الخطأ استبعاد بعض الأدوات المتوافرة لدينا لتغيير سلوك دول مثل إيران وسورية وكوريا الشمالية أو فنزويلا.
لسنا فقط نرفض تحديد الأساليب المتوافرة لتحويل السلوك غير المقبول والخطِر دوليا، ولكن عندما نقول من حيث المبدأ إننا لن نتكلم مع دول معينة، أو عندما نضع شروطا تستثني إمكان محادثات كهذه، فإننا أحيانا نجعل من الصعب إقناع الآخرين في المجتمع الدولي بأن موقفنا منطقي. نجعل أحيانا من أنفسنا القضية بدلا من سلوك تلك الأنظمة التي تستحق العقوبات.
العزل عقوبة مهمة في العلاقات الدولية. يجب استخدامها عندما تنخرط الدول في سلوك لا يمكن تحمّله مثل انتهاك المعايير العالمية الأساسية وتقديم الدعم إلى الإرهابيين ومحاولة تدمير جيرانها أو المشاركة في سلوك القتل الجماعي.
إظهار أننا حاولنا إشراك أنظمة كهذه لجعلها تغير سلوكها غير المقبول هو أحد الأساليب لإثبات أننا بذلنا الجهد (حتى ذهبنا الميل الإضافي) ولم يعد لدينا خيار سوى تطبيق العقوبات بما فيها - إذا استنفدت الخيارات الأخرى كافة - استخدام القوة. عندما عرض الرئيس جورج بوش الأب إرسال وزير خارجيته جيمس بيكر لمقابلة صدام حسين في بغداد ودعوة وزير خارجية صدام إلى واشنطن لمقابلته بعد أن تبنى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قرار «الأساليب الضرورية كافة» في نوفمبر/ تشرين الثاني 1990، كان يثبت للمجتمع الدولي وجمهورنا المحلي أننا سنستنفد الخيارات كافة قبل اللجوء إلى القوة. طبعا، إنه لن يذهب إلى الحرب قبل عقد اجتماعات وجها لوجه مع قادة العراق.
قد لا تكون لقاءات كهذه مناسبة في جميع الظروف، ولكن يجب كذلك عدم استبعادها في جميع الظروف. في أحيان أكثر مما هو ضروري، تعاملت إدارة الرئيس جورج بوش مع المحادثات أو المفاوضات ليس أداة تستخدم لممارسة التأثير الأميركي وإنما شكلا من أشكال الاستسلام. أخبرني أناس في الإدارة أننا لا نستطيع التكلم مع سورية لأن «كل ما يريدونه هو لبنان». ممتاز. «كلا» هي جزء مقبول في أية مفاوضات إذا أراد السوريون المطالبة بلبنان، وهو طبعا أمر سيضعونه في تعابيرَ مختلفة، فالجواب «كلا، لن نضحي بمصالح لبنان».
ليست المفاوضات شكلا من أشكال الاستسلام إلا إذا اخترنا الاستسلام في المفاوضات. إلا أن المفاوضات تعني ضمنيا أن كلا الجانبين له مصالح، وأنه يتوجب مخاطبة احتياجات كلا الجانبين. صحيح أن المفاوضات تمنح الاعتراف. لهذا السبب من الأساسي أن نفرق بين دول مثل إيران وسورية ولاعبين ليسوا دولا مثل حزب الله و «حماس»، فالاعتراف بالنسبة إلى هؤلاء يشكل إنجازا مهما. فهو يخلق شرعية ويبني قوة اندفاع ويخلق شعورا بحتمية تحقيق أجنداتهم.
خذ «حماس» على سبيل المثال، وهي لاعب ليس بدولة يسيطر الآن على غزة. لا نستطيع تجاهل أن توفير المعونة لغزة يتطلب أن يتعامل أحد الآن مع «حماس». ليس من الضروري أن نكون نحن. ولكن العزلة الكاملة والقطيعة تنتجان أزمة إنسانية. إذا كنا نريد من الآخرين في المجتمع الدولي ألا يشعروا بأنهم مضطرون إلى إجراء اتصالات عادية مع «حماس»، فإننا بحاجة إلى تشكيل إجماع دولي عن كيفية التعامل مع الوقائع في غزة. هناك حاجة إلى تجنب أزمة إنسانية. قد تكون هناك حاجة إلى السماح على الأقل ببعض التجارة المحدودة لمنع الانهيار الاقتصادي الشامل. ولكن إذا أرادت «حماس» معونة تنموية أو استثمارات في غزة فإن عليها أن تلعب بحسب القوانين الأساسية للعبة، وأحدها وقف الهجمات على «إسرائيل». يتوجب على «حماس» التأقلم مع العالم وليس العكس.
وماذا عن تعاملاتنا أو لقاءاتنا مع زعماء الأنظمة المارقة؟ خذ مثلا حال سورية. هناك أهمية للرهانات عندما نأخذ في الاعتبار لقاءات محتملة. فسورية تشكّل اليوم نقطة ارتكاز. إذا تمكنا من جعل سورية تستدير استراتيجيا بعيدا عن إيران وحزب الله و «حماس»، أمكن للبنان أن يصبح آمنا وأقل «عنفا»، وقد تنخفض قدرة «حماس» بين الفلسطينيين بشكل درامي، وستتعزز إمكانات السلام بين «إسرائيل» وجيرانها، وطبعا، سيجد «الجهاديون» صعوبة كبيرة في الانتقال إلى العراق. طبعا، لن يتخذ بشار الأسد قرارا استراتيجيا كهذا من دون مقابل. وقد لا يكون مستعدا لاتخاذه بالمرة. قد يشكل عقد اجتماعات على مستوى عالٍ جزءا من عملية اختبار أو استكشاف إذا ما كانت سورية على استعداد للقيام بتحرك استراتيجي، وما هو المطلوب لتحقيق ذلك.
في العام 1989 تلقت إدارة الرئيس بوش الأب مؤشرات من الرئيس حافظ الأسد تتعلق بفتح حوار. اتخذ يومها قرارا باختبار استعداد الأسد لأن يفعل شيئا في لبنان ومع الإسرائيليين وعلاقاته مع السوفيات، ولكن بهدوء. فتحنا قناة خلفية وعُيِّنتُ فيها لإجراء لقاء سري في أوروبا مع ممثل كبير للحكومة السورية. عقدنا عددا من الاجتماعات السرية المثيرة للاهتمام ولكنها لم تكن مثمرة بشكل كافٍ لتأخذنا إلى المستوى التالي. تغيّر ذلك بعد أن قام صدام حسين باحتلال الكويت.
من الواضح أن هناك طرقا عدة لاستكشاف إمكانات الاتصال مع أنظمة كهذه لرؤية إذا ما كان بالإمكان تغيير سلوكها وما هو المطلوب لعمل ذلك وإذا ما كانت الاتصالات ستصبح أكثر انفتاحا وقد تضم الرئيس. هل يمكن عمل ذلك مع هوغو شافيز وغيره؟ طبعا، ولكن علينا طرح أسئلة عدة أولا. ما الذي نربحه من لقاءات كهذه؟ ما الذي يمكن أن نخسره؟ كيف سيؤثر على حلفائنا أو أصدقاء رئيسيين محددين؟ هل سينظر إلى هذه اللقاءات على أنها مؤشر لقوتنا أو لضعفنا؟ كيف يحتمل أن يقرأ زعيم أو قيادة النظام المارق استعدادنا للقاء؟ هل سيعتبره مؤشرا على أننا بحاجة إليه أو مؤشرا على أن ذلك قد يصبح عتلة لنا إذا لم تستجب جهته؟ تذكرنا أسئلة ذات علاقة كهذه، بمعزل عن الأمور الأخرى أنه يجب عدم اتخاذ قرار بإجراء لقاء من دون إعداد جاد.
من المؤكد أن أحد الأهداف بعد إدارة الرئيس بوش سيكون تحويل صورتنا وإعادة اكتساب الموقع الأخلاقي الأعلى على الساحة الدولية. وقد تكون إحدى الطرق للبدء بعمل ذلك هي الاستعداد لمقابلة هؤلاء الذين يرفض بوش مقابلتهم. ولكن هذه اللقاءات يجب أن يتم الإعداد والتخطيط لها بشكل واسع، إما عن طريق استخدام طرف ثالث وإما عن طريق قنوات مباشرة سرية لتقرير إذا ما كانت أجندات ونتائجَ مقبولة محتملة التحقيق. (لم يكن انفتاح نيكسون على الصين ممكنا في غياب توجه كهذا).
إذا، طبعا، لندع المرشحين الرئاسيين يتناقشون فيمن سنقابله وتحت أية ظروف. ليتناقشوا في خياراتنا المركزية دوليا والأساليب المتوافرة لنا وحدنا أو من خلال آخرين لتحقيق هذه الأهداف. تلك هي روح الحكمة السياسية. إذا أردنا استعادة فاعلية سياستنا الخارجية وموقعنا في العالم يتوجب على هؤلاء الذي يسعون إلى زعامة هذا البلد أن يطرحوا هذه القضايا علنا.
* مستشار وزميل مميز في موقع «زيغلر» في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى ومؤلف كتاب «الحكمة السياسية: وكيفية استعادة موقف أميركا في العالم»، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 1806 - الخميس 16 أغسطس 2007م الموافق 02 شعبان 1428هـ