العدد 1805 - الأربعاء 15 أغسطس 2007م الموافق 01 شعبان 1428هـ

لماذا يُرْفَض حراس المدارس؟

سكينة العكري comments [at] alwasatnews.com

كلما أردت أن أقفل باب النقاش في موضوع الزواج من غير البحرينية أجد أن هناك إلحاحا أكبرَ من القراء بضرورة متابعة طرح النقاشات المختلفة المتعلقة بالموضوع ذاته وكأن الموضوع أكثر اتساعا وعمقا مما تم طرحه والغوص في أغواره الحقيقية.

أحد القراء الأفاضل أصر على ضرورة طرح وجهة نظره هذه المرة من زاوية أخرى غير التي تم التطرق إليها في المقالات السابقة، ملقيا اللوم وكل اللوم على بنات اليوم اللواتي يصررن على ضرورة اختيار شريك حياتهن بشكل ممنهج مزاجي وغير عقلاني أو موضوعي وفق معاييرَ طبقية كما عبّر عنها، فإما أن يكون جامعيا وإما يشغل منصبا إداريا مرموقا بغض النظر عن ماهية وظيفته أو مقدار راتبه أو سماته الشخصية أو التزامه الديني أو وضعه الاجتماعي، فكل ما يهم بنات اليوم أن يرتبطن بأصحاب الوظائف الاجتماعية الراقية تاركات وراء ظهورهن هما كبيرا يحمله غالبية شباب البحرين من قلة توافر الفرص الوظيفية إلى جانب اقتصار أهم الوظائف الإدارية والقيادية أما على الأجانب وإما المجنسين وإما كبار السن قبل إحالتهم على التقاعد، ويكاد يكون نصيب الشاب من تقلد المناصب الإدارية والقيادية صفرا إلا ما رحم ربي، إلى جانب توافر الوسامة في الشاب وإلا فلا حاجة لهن في المضي قدما اتجاه مشروع الزواج.

يتحدث انطلاقا من تجربته الشخصية طبعا بعد ثلاث محاولات باءت جميعها بالرفض وبالحجة والسبب نفسهما، ويركز بشكل أكبر على قطاع لطالما تجرع أصناف التجاهل والتهميش ليس على المستوى الرسمي فقط ولكن ربما يزداد الأمر تعقيدا على ما هو عليه عندما يكون ذلك شعبيا واجتماعيا وأقصد بذلك هم قطاع (حراس المدارس وشرطة المجتمع)، إذ إن بنات اليوم يرفضن الارتباط بهم بحجة أنهم لا يرغبن في الارتباط بحارس المدرسة، حتى إن كان جامعيا وراتبه لا يقل عن 400 دينار بحريني فقط لكونه حارس مدرسة، بغض النظر عن كون البنت جامعية أو خريجة ثانوية عامة.

هناك ثقافة مجتمعية لا نعرف مصدرها ولا أسباب تشكلها ولكن كل ما نعرفه أنها فعلا موجودة وتتحكم في مصير المشروعات الزوجية بشكل فاضح. هدفها الرئيسي مقاومة الارتباط بحراس المدارس وشرطة المجتمع، وينظرن إليهم نظرة ازدراء ومنقصة وغير محترمة فلاتزال الذهنية التي تحكم العملية الصورةَ التي انطبعت في ذاكرة البنات أن حارس المدرسة هو «ناطور المدرسة» المرتدي بدلة الحراسة المشابهة لبدلة البناي، على رغم أن الوضع تغير بنسة 180 درجة إذا لم يحدث انقلاب كبير في الكثير من الموازين، فلم يعد الحارس هو ذلك الناطور الواقف على أبواب المدرسة المشاهد للمارة، فحراس المدرسة اليوم لا يقلون ثقافة وفهما ووعيا عن غيرهم من القطاعات المختلفة الأخرى بل أحيانا يتفوقون عليهم فهناك الجامعيون منهم ويقدر عددهم بـ40 إلى 50 من أصل 700 حارس مدرسة والأعداد في تزايد مستمر رغبة منهم في تحسين فرصهم الوظيفية، كما وضعهم الاقتصادي لم يعد المتدني بل إن رواتبهم في متوسطها مساوية لراتب المعلم بل يزيد عليه فراتب المعلم في البداية 380 دينارا والأمر يختلف للحارس فراتبه لا يقل عن 400 دينار.

تحدثت إليه وسألته هل تعد القضية ظاهرة من وجهة نظرك؟ فأجاب أنها لا تعد ظاهرة حاليا ولكنها ربما تأخذ هذا المنحنى إذا ما تركت من دون معالجة؛ لذلك أحاول من خلال المقال الحالي أن ألفت عناية بنات اليوم بالدرجة الأساس وأولياء أمورهن بالدرجة الثانية إلى ضرورة إعادة النظر في معايير قبول شريك الحياة كيلا نقع في فخ اجتماعي غير صحي من شأنه أن يحدث توازنات غير مقبولة اجتماعيا من جهة وضرورة النظر من جديد إلى موضوع حراس المدارس والرفض غير المبرر؛ لأن العنوسة ستكون حتما النتيجة المتوقعة؛ لأننا باختصار شديد إذا رفضنا الحارس فقط لكونه حارسا ورفضنا الشرطي فقط لكونه شرطيا ورفضنا السائق فقط لكونه سائقا ورفضنا النجار فقط لكونه نجارا و... فلن يتبقى أمامنا من خيارات أخرى وسنجد أن العنوسة هي أقرب البيوت التي نسكن إليها من دون حساب.

نعم نطمح لبناتنا أن يكنّ جامعيات ومتعلمات ومثقفات ونطمح أيضا لشبابنا كذلك، ولكن لا أحد ينكر أن هناك فروقا فردية بين البشر وأن الأرزاق بيد الله سبحانه وتعالى يرزق من يشاء من عباده ولا يد لنا في ذلك. لهؤلاء الفتيات اللاتي يرفضن حارس المدرسة فقط لكونه حارس مدرسة نسألهن لماذا ترفضن حراس المدارس؟ لماذا لا يتم النظر إلى المواصفات الأخرى التي يتصف بها الشخص ربما ترفع من رصيده؟ ونقول لهن: حرام عليكن أن تتعاملن مع الموضوع بهذه السطحية التي تدل على سوء تقدير للأمور، وخصوصا أن هناك مجموعة من الشباب لا يجدون فرصا وظيفية أخرى أمامهم فيضطرون حينها أما إلى قبول ما يلقى لهم من فتات وإما البطالة والتعطل وإما التسول وإما الانحراف.

علينا ألا نكون أحد الأسباب للأمراض الاجتماعية فلا طب ولا طبيب يقدر يداويها، ودواؤها الوحيد الحكمة ونحن نعوّل كثيرا على حكمة الأهالي وأولياء الأمور وأيضا حكمة بنات اليوم؛ لأنهن أمهات المستقبل.

ولكل أب يرفض أن يزوج أبنته لحارس مدرسة: هل يقبل لابنه أن يُرْفَض من كل بنت يتقدم إليها فقط لكونه حارسا؟ وللبنت التي ترفض الزواج من الحارس: هل تقبل لابنها مستقبلا أن يُرْفَض فقط لكونه حارسا أو شرطيا يعمل ويسهر لتوفير الأمن والأمان بحسب طبيعية وظيفته؟ سؤال يحتاج إلى تأمل وتدبر؛ ليعاد النظر من جديد في موضوع الرفض، فهل نحن جادون؟ فلنكن كذلك.

إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"

العدد 1805 - الأربعاء 15 أغسطس 2007م الموافق 01 شعبان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً