المواطنة تفترض وجود مساحات جغرافية عامة ومفتوحة للجميع ويتم استيطانها أو الاستفادة منها بصورة جماعية منظمة، على أن يستفيد منها جميع من يحمل صفة المواطن. وعليه فإن جميع البلدان المتقدمة تشترط وجود مساحات عامة مفتوحة للجميع، وأن تكون المساحات المفتوحة تمثل الجزء الأعظم من جغرافيا الوطن. ففي بريطانيا - مثلا - التي تمتلك تاريخا إقطاعيا متجذرا، فإن القانون فيها يحتوي على «حق المرور» للمواطن، وهذا الحق يعني أن من حق المواطن أن يمر في المساحات الشاسعة، حتى لو كانت مملوكة بصورة خاصة. ومن يتجول في الريف البريطاني سيجد أن كل مزرعة يوجد فيها باب صغير مكتوب عليه «حق المرور» (right of passage) ويستطيع أي شخص أن يفتح ذلك الباب ويدخل في مساحات مملوكة بصورة خاصة، ويخرج من باب آخر ليدخل من باب غيره، وهكذا يتمكن من المشي من الشمال إلى الجنوب من دون ممنوعات.
المساحات المفتوحة تشبه مساحات المياه الدولية في البحار والمحيطات... فهناك مساحات لا يمكن لأية دولة أن تمتلكها أو تمنع أحدا من دخولها، والقانون الدولي لا يسمح لأحد بمنع المرور فيها، ونحن نعلم أن هناك دولا وشركاتٍ وحتى أشخاصا يستطيعون شراء المساحات البحرية لو فتح لهم المجال، ولكن لو فتح الباب لذلك فإن مفهوم العالم الذي نعيش فيه الآن سيتحول إلى شركة خاصة والحياة فيها لا تطاق.
الأمر كذلك ينطبق على الوطن، فهناك السواحل والجزر الجميلة والمساحات البرية، فهذه جميعا لا يسمح بامتلاكها وحجبها عن باقي الناس. وإذا كانت بلاد ما تقدس الإقطاع، فإن بالإمكان تشريع قانون، كما هو موجود في بريطانيا، إذ يفرض على ملاك تلك المساحات أن يفسحوا المجال للمواطن بالعبور فيها ورؤيتها، كما يفرض القانون على الإقطاعيين دفع ضرائب على تلك الأراضي والممتلكات إلى خزانة الدولة، ومن يعجز عن دفع الضرائب تتم محاسبته ومصادرة أرضه لتصبح ملكا للدولة.
إن إحدى المشكلات التي يواجهها مفهوم المواطنة الحقة في البحرين هي اتساع المساحة المغلقة، بل إن الوضع يزداد سوءا حتى مع اقتراح مشروعات وقوانين وقرارات. ونحن نسير بالعكس، إذ إن بعض الجهات النافذة اعلنت أنها ستغلق مناطق في البلاد عن فئة من المواطنين، وهذا التضييق إنما هو زيادة في السوء الذي يطال كل البحرينيين المحرومين من سواحلهم ومساحاتهم المفترض أن تكون عامة ومفتوحة. إن عدم الإلتفات إلى هذا الوضع قد يحول البحرين إلى شركة خاصة، ويحول المواطنين إلى موظفين أو خدم (مثل خدم المنازل)... فالشركة الخاصة تستطيع أن تتخلص من الموظفين الذين يعرقلون زيادة الأرباح، وبالتالي فإن المواطنة قد تتحول الى سلعة، وهو ما لانوده لبلادنا التي لا وجود لها من دون الإنسان.
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 1805 - الأربعاء 15 أغسطس 2007م الموافق 01 شعبان 1428هـ