لم يعد توجه أصحاب المخابز لتعويض خسائرهم عن طريق رفع أسعار الخبز ممكنا للتطبيق على أرض الواقع، في وقت يعتبر فيه تحديد أسعار الخبز من القرارات السيادية للدولة في مملكة البحرين.
فيرى مراقبون أن البحرين لن تسمح برفع أسعار الخبز، وستستمر في تقديم الدعم الحكومي إلى المنتج الذي يعتبر من الحاجيات الغذائية الضرورية وتمس غالبية قاطني المملكة التي يبلغ عدد سكانها نحو 750 ألف نسمة ثلثهم من الأجانب.
أحد مؤشرات جدية الحكومة في الحفاظ على الأسعار، تدخل رئيس الوزراء بإلغاء قرار وزارة الصناعة والتجارة القاضي رفع أسعار اللحوم الحمراء 100 فلس للكيلوغرام.
وعلى رغم أن اللحوم الحمراء تشكل الحمل الأكبر على موازنة الدعم، وترتفع أسعارها بشكل مستمر، فإن الحكومة فضلت الحفاظ على أسعارها في السوق المحلية، ومن المتوقع أن يرتفع الدعم للحوم نحو 9 ملايين دينار في 2007.
والخبز لا يشكل دعمه ثقلا مثل اللحوم، إلا أنه يعتبر أكثر حساسية إذ يشكل نسبة مهمة من استهلاك الطبقة الفقيرة وهي شريحة سريعة الاشتعال في الساحة السياسية عندما لا تجد ما يحفظ ماء وجهها في إشباع حاجياتها الضرورية. وبحسب ما يراه اقتصاديون فإن الحوادث السياسية التي شهدتها البحرين في التسعينات ترجع أسبابها إلى الركود الاقتصادي في الثمانينات من القرن الماضي. كذلك فإن الطحين الذي يصنع منه الخبز يعتبر مادة أساسية تدخل في الكثير من المنتجات الغذائية، وارتفاع سعرها سيؤدي إلى صعود أسعار كل منتج له صلة بها، ما قد يؤثر على الطبقة المتوسطة وتراجع نسبتها في التركيبة السكانية. ويعكس دعم الخبز مسئولية الحكومة تجاه رعاياها، ومعالجتها ارتفاع الأسعار بما يحفظ حقوق المواطنين والتجار على حد سواء، كما يحمل أبعادا أكثر أهمية تتعلق بالحفاظ على الاستقرار.
لذلك، فإن التاجر يمكنه أن يفتح حظيرة لبيع الأغنام ولحومها ويستطيع أن يغلقها في أي وقت ويصفي مشروعه، لكن التاجر عندما يفتح مخبزا فإنه لا يستطيع التوقف عن الإنتاج إلا بموافقة الجهات الرسمية، وإلا فإن عقوبات قانونية في انتظاره. المرسوم بقانون رقم (18) لسنة 1975 يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين وبغرامة لا تزيد على ألفي دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين التجار وأصحاب المصانع الذين يمتنعون عن ممارسة تجارة أو إنتاج السلع التي يصدر بتعيينها قرار عن وزير التجارة.
أصحاب المخابز مجبرون على إنتاج خبز معين يطرح لجميع الجمهور في المملكة، ولا يمكنهم التوقف عن إنتاجه إلا بموافقة من وزير التجارة، وهذه الموافقة لا تعطى إلا بعد أن يثبت التاجر أنه لا يستطيع الاستمرار في العمل إما لعجز شخصي أو لخسارة تصيبه من الاستمرار في العمل أو لأي عذر جدي آخر يقبله الوزير، ويفصل الوزير في الطلب خلال شهر من تاريخ تقديمه، ويكون قراره في حال الرفض مسببا، بحسب القانون.
ويتم تحديد أسعار الخبز بناء على معادلة تحقق أرباحا معقولة للملاك (التجار)، من ضمنها نسبة مئوية من كلفة الإنتاج، وتتكفل الحكومة بتقليل الكلفة عبر الدعم الذي تقدمه، للحفاظ على سعر الخبز وربحية الملاك. حسابات كلفة إنتاج الخبز تغيرت، والباب الذي يمكن لأصحاب المخابز الدخول منه لتعويض خسائرهم جراء ارتفاع الكلفة النهائية للخبز الناتجة عن ارتفاع المواد الأولية في الأسواق العالمية هو المطالبة بمزيد من الدعم الحكومي، أما رفع الأسعار فهو باب قد يكون ضيقا نتيجة الأوضاع. ويرى اقتصاديون أنه يمكن رفع الدعم الحكومي عندما يرتفع دخل الفرد إلى مستوى يمكنه من شراء حاجياته الضرورية، أما في ظل وجود أكثر من 30 ألف أسرة تتلقى مساعدات فإن الوضع حساس.
ويقول أصحاب المخابز إن أسعار الخبز بقيت محافظة من دون تغير منذ 1975، بينما المواد الداخلة في إنتاج الخبز كالسكر والحليب والخميرة والمحسنات وغيرها تضاعفت أسعارها، وهو ما ينعكس على الكلفة النهائية لإنتاج الخبز.
أسعار المواد الأولية بين سنة 1975 و2005 قفزت إذ ارتفع سعر السكر من 5 إلى 7,5 دنانير، والشورتنج من 2,8 إلى 7 دنانير والخميرة من 4 إلى 13 دينارا، والمحسن من 4 إلى 12,5 دينارا، والزيت من 3 إلى 5 دنانير وكل هذه الارتفاعات في الأسعار تدخل في قيمة الخبز. أما في العام 2007 فإن الأسعار وصلت إلى مراحل قياسية لا يمكن مقارنتها بما قبلها. وظهور رسوم جديدة على المخابز الآلية دخلت في القيمة الفعلية للخبز في الوقت الحالي كرسوم التأمين الصحي، التأمين الاجتماعي، المجلس النوعي للتدريب، البلدية، السجل التجاري لوزارة التجارة، غرفة التجارة، تصاريح العمل بنسب مختلفة وكل هذه الرسوم لم تكن موجودة العام 1975 التي تم تحديد سعر الخبز فيها».
كذلك ارتفاع رواتب العمال رفع قيمة الكلفة إذ إنه في العام 1975 كان راتب العامل لا يتجاوز 35 دينارا وأصبح في الوقت الحاضر 100 دينار وأكثر، ومع مطلع السنة الجديدة سترتفع الأجور مع فرض ضرائب كبيرة إضافة إلى أجور السكن، مصاريف الكهرباء والماء، المواصلات لهؤلاء العمال والرعاية الصحية لهم.
العدد 1805 - الأربعاء 15 أغسطس 2007م الموافق 01 شعبان 1428هـ