العدد 1804 - الثلثاء 14 أغسطس 2007م الموافق 30 رجب 1428هـ

بيروت في عيد النصر

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

سيبقى تقييم ما حدث في لبنان العام الماضي مدار جدل بين العرب واللبنانيين أنفسهم، وهو خلافٌ بين فكرتي «المقاومة» و«المساومة»، وبين الصمود مهما غلا الثمن والتضحيات، وبين التسليم مهما تكن التنازلات.

لكل طرفٍ حساباته ورؤاه، ونظرياته في السياسة والحياة، من هنا تجد هذا الاختلاف الشديد داخل لبنان، بين من يعلي من قيمة المادة ويقدّس «الواقعية»، ومن يمجّد البطولة والكرامة والشهادة والعنفوان، وهي لغةٌ باتت غريبة في هذا الزمان.

وإذا لم يكن لائقا أن نتطفّل نحن العرب على اللبنانيين في قضاياهم الداخلية، إلاّ أن ما جرى لن يكون خاصا بهم ومقتصرا على حدودهم الجغرافية، بل سيكون له دويٌ آخذٌ بالتصاعد مع الأيام. فما حدث زلزالٌ عمّ المنطقة، وترك أثره على الإندفاعة الأميركية في مشروعات تفتيت المنطقة، وما بشّرت به كوندوليزا رايس في عز احتدام المعارك، من ولادة شرق أوسط جديد.

لقد بات واضحا الآن أن الحرب كانت حربا أميركية بامتياز، ولم تأت نتيجة رد فعل غاضب تجاه اختطاف جنديين، كما روّج البعض وصدّق آخرون. فالحروب الكبرى، أميركية أو إسرائيلية، لا تنطلق بالانفعالات، من حرب السويس إلى حرب الأيام الخمسة، إلى «غزوات» لبنان (1978، 1982، 1996).

ربما كانت الصورة غامضة عند بدء الحرب، فبدا الأمر وكأنه انتقامٌ لعملية الأسر، ولكن التقارير المتواترة أكدت أن هناك مخططا مسبقا يهدف إلى ضرب المقاومة ونزع سلاحها وإنهائها كقوة عسكرية مزعجة للكيان الصهيوني، لتنتهي بحزب الله إلى حزبٍ لبناني أسوة بالكتائب والقوات اللبنانية. وهو أمرٌ أشار إليه الأمين العام للحزب حسن نصر الله، كما أكدته تقارير إعلامية عديدة، لعل أهمها ما كتبه الصحافي الأميركي سيمور هيرش، من أن الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان لم تكن رد فعل مباشر على أسر الجنديين، بقدر ما كانت وليدة خطة إسرائيلية مدبرة وتفاهم أميركي ـ إسرائيلي مسبق، في سياق لعبة الأمم الكبرى الجاري تنفيذها على أراضينا هذه الأيام.

المفارقة اليوم، وبعد تكشّف الكثير من الحقائق والأسرار، ما زال هناك من ينظر إلى ما حدث على انه «مغامرة»، ويقفز على كل الوقائع، ليصف ما حدث على انه «نزق ميليشيات»... ادعاء للحكمة والواقعية في زمن أدمن الهزائم والانكسارات.

أمّا إذا أردنا شهادة عربية قومية غير مشكوك في نقائها وبهائها، فننقل ما كتبه طلال سلمان في «السفير»، عن بيروت الأميرة ليحمي عيدها: «لم يحدث في التاريخ أن أقرّ المعتدي بفشله، بل بهزيمته، ثم خاف أهل النصر من إعلان انتصارهم أو الاحتفال به... بل واندفع بعضهم إلى حد التنصل منه مفضلا أن يقلبه إلى هزيمة ليُدين بها مَن صنعه»!

ويضيف: «ثم إن هذا النصر للعرب جميعا، في مشرقهم ومغربهم، بدليل أنهم خرجوا إلى الشوارع والساحات يحتفلون به ابتهاجا إلى حد البكاء لطول ما انتظروا أي انتصار... فكيف بانتصار غير مسبوق، وله مثل هذا الدوي على المستوى العالمي». ويسجّل استغرابه من أغرب ظواهر التاريخ العربي المعاصر، إذ لم يحدث أن أنكرت «سلطة» على شعبها نصرا حققه بصمود أبنائه وبالتضحيات الجليلة التي تكبدها في حياة نسائه وشيوخه وأطفاله.

إنه عيدٌ للأجيال الآتية... كما قال سلمان، «فما قبله غير ما بعده، لا إسرائيل هي اليوم إسرائيل التي كانت قبل الحرب، ولا لبنان هو لبنان الذي كان قبل إفشال شعبه ومقاومته وجيشه الحرب الإسرائيلية»... ولكن العرب هم أنفسهم العرب يا أستاذ!

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1804 - الثلثاء 14 أغسطس 2007م الموافق 30 رجب 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً