العدد 1803 - الإثنين 13 أغسطس 2007م الموافق 29 رجب 1428هـ

«الشرق الأوسط» وتحديات الفوضى السياسية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

قبل سنة من الآن صدر عن مجلس الأمن القرار الدولي 1701 أوقف بموجبه العدوان الأميركي - الإسرائيلي على لبنان. القرار تضمن ثغرات كثيرة وتعارضات في فقراته. فهو في مقدمته حمّل حزب الله مسئولية البدء في الحرب ولم يشر بوضوح إلى وقف إطلاق النار. فالحرب إذا مجمدة ويمكن أن تتذرع تل أبيب بمشكلة معينة لاستئنافها في حال توافرت الفرصة.

مضى على صدور القرار سنة كاملة وحتى الآن لم تنفذ سوى فقرات منه نظرا إلى عدم وضوح توجهاته التي تضمنت كل ما صدر من قرارات دولية بشأن فلسطين والصراع العربي - الإسرائيلي. وهذا يعني أن القرار يفتقد تلك الآليات العملية التي تساعد على نقل الأفكار من التفاهمات النظرية إلى التطبيق الميداني. فالقرار فوضى من الأفكار العامة التي تؤسس عادة للفوضى السياسية وعدم الاستقرار.

إلا أن القرار 1701 رسم حدود توازن قوة بين البلدين وفتح الباب للتفاوض بشأن تبادل الأسرى واحتمال الانسحاب من الأراضي اللبنانية المحتلة (تلال شبعا ومرتفعات كفرشوبا). القرار أيضا حدد مناطق انتشار القوات الدولية (القبعات الزرق) إلى جانب الجيش اللبناني. وهذا ما أدى إلى نشوء نوع من التوازن السلبي في المعادلة اللبنانية/ الإقليمية. فالولايات المتحدة بدأت الحرب تحت مظلة «مخاض الشرق الأوسط الجديد». و«إسرائيل» بدأت عدوانها تحت شعارات متنوعة منها تحميل الدولة اللبنانية مسئولية الهجوم لتبرير الهجمات الجوية والبحرية والبرية لتدمير البنى التحتية وتحطيم الأبنية السكانية في الجنوب، كذلك شن ضربات مؤلمة للمقاومة بهدف سحب سلاحها ودفعها إلى الداخل اللبناني.

الآن وبعد سنة على وقف العدوان يمكن القول إن تل أبيب نجحت في تدمير البنى التحتية للدولة والقطاع الخاص في المناطق التي ركزت عليها الضربات الجوية والبرية، ولكنها فشلت في تحقيق أهدافها السياسية. فهي لم تنجح في جر الدولة إلى توقيع معاهدة سلام على غرار مصر والأردن والسلطة الفلسطينية، كذلك لم تنجح في تجريد حزب الله من سلاحه. المقاومة خسرت مواقعها العسكرية في الجبهة الأمامية في الجنوب وانسحبت إلى الشمال، ولكنها لاتزال قادرة على توجيه ضربات صاروخية إلى العمق الإسرائيلي.

هذا «التوازن السلبي» يمكن اعتباره المدخل المنطقي لقراءة المتغيرات الأميركية والإقليمية والإسرائيلية والمحلية لمرحلة ما بعد القرار 1701. فالتوازن المذكور يشكل الإطار العام لدراسة التحولات في ضوء الاختبار الميداني لمعادلة القوة في لبنان.

في الولايات المتحدة طرأت متغيرات داخلية بدأت بالضغط على إدارة جورج بوش. المتغيرات الأميركية ليست مرتبطة بفشل العدوان على لبنان بقدر ما هي نتاج فشل الاستراتيجية التي صاغها تيار «المحافظين الجدد» في أفغانستان والعراق و«الشرق الأوسط». العدوان على لبنان كان ضربة استباقية في سياق محاولات متكررة أقدمت عليها الإدارة الأميركية لتحسين صورة الحزب الجمهوري في الداخل. وكانت النتيجة فشل حزب الرئيس في الانتخابات التشريعية النصفية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2006. وبعد الانتخابات صدر تقرير بيكر - هاملتون الذي تضمن فقرات كثيرة وتوصيات متضاربة ونصح واشنطن باعتماد سياسة واقعية تبدأ بفتح اتصالات مع دول الجوار وتحديدا سورية وإيران.

ردة الفعل على اقتراحات التقرير وتوصياته كانت متضاربة فهناك من قدم استقالته من الإدارة، وهناك من هرب إلى الأمام وقرر إرسال المزيد من القوات إلى العراق، وهناك من راهن على حكومة نوري المالكي ووضع خطة أمنية تنتشل الاحتلال من الفوضى، وهناك من دعا إلى مباشرة الاتصال بدمشق وطهران ودرس إمكانات التعاون الميداني لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

طرقات مفتوحة

في المجموع العام يمكن القول إن إدارة بوش بعد سنة على العدوان سلكت كل تلك الطرقات والمعابر المتعارضة. فبوش وافق على الاستقالات وكلف وزراء بتحمل المسئوليات، وأرسل 30 ألف جندي إضافي إلى العراق، واتصل بالمالكي ووضع خطة أمنية مشتركة، كذلك أوعز إلى سفراء ووكلاء ووزراء بالاتصال العملي مع دمشق وطهران.

اعتماد الطرقات المفتوحة على كل الاتجاهات تعطي صورة مصغرة عن تلك الفوضى السياسية التي تمر بها الإدارة الأميركية منذ سنة تقريبا. وهذه الفوضى السياسية المحلية ليست مفصولة عن تلك التوازنات السلبية الدولية التي ظهرت في الأفق الروسي والقارة الأوروبية. فموسكو بدأت بالخروج من طور العزلة والانكفاء (السلم البارد) إلى طور إعادة تأسيس مواقع دفاعية تعزز مكانة هذه الدولة الكبرى كما كان حالها في فترة «الحرب الباردة». وفي أوروبا كسب بوش صداقة فرنسا بعد خروج جاك شيراك من الاليزيه، ولكنه خسر في المقابل صديقه الوفي طوني بلير في بريطانيا. وحتى الآن لم تتوضح اتجاهات الرياح الأوروبية باعتبار أن صورة الموقف لاتزال مشوشة نتيجة التوازن الدولي السلبي العام والفوضى السياسية التي تعصف بالإدارة الأميركية. فالتجاذب في إدارة بوش بين نائب الرئيس ووزيرة الخارجية لم يستقر حتى اللحظة على موقف نهائي من مجموع القضايا وتحديدا مسألة احتلال العراق. وبانتظار أن تتبلور الصورة النهائية في الأسابيع المقبلة (تقرير سبتمبر) يمكن الإشارة إلى أن إطار «التوازن السلبي» لايزال يشكل مصدر قلق للمنطقة لأنه يضعها في مواجهة خيارات مفتوحة على احتمالات تتراوح بين التصعيد العسكري أو التوتير الأمني من جهة وبين التهدئة السياسية والدعوة إلى الحوار أو التفاوض الإقليمي في «المؤتمر الدولي» في الخريف المقبل.

لا تقتصر «الفوضى السياسية» على توجهات الإدارة الأميركية الداخلية وإنما تمتد دوليا في العلاقات المتوترة مع روسيا الاتحادية في القارة الأوروبية. وهي أيضا تمتد إقليميا في العلاقات المتأزمة مع إيران وغير الواضحة مع سورية. هناك قلق عام على مستوى «الشرق الأوسط» وهو ناتج عن ذاك «التوازن السلبي» الذي نشأ في السنة الماضية وأثار تلك «الفوضى السياسية» الممتدة على مساحة «الشرق الأوسط الكبير».

في باكستان يشهد نظام برويز مشرف حالات من الاضطراب المحلي والإقليمي. وفي أفغانستان بدأ نظام الحكم يمر في فوضى أمنية بعد عودة «طالبان» إلى الظهور مجددا في الكثير من المناطق. وفي إيران تشهد الساحة السياسية تجاذبات غير واضحة المعالم تتراوح بين استقالات وزراء من الحكومة ومفاوضات غامضة مع واشنطن بشأن الملف النووي ومصير العراق بعد الاحتلال. فطهران أمام المواجهة أو المسالمة.

في العراق هناك فوضى شاملة بسبب عدم وضوح الرؤية الأميركية وضياع حكومة المالكي بين خياري السقوط أو استمرار العبث بالبلاد. دول الخليج العربية تواجه ضغطين أما الحرب أو التعايش مع المتغيرات الإقليمية. وسورية أمام خيارين المفاوضة أو إبقاء الحال مجمدا على حاله. لبنان أيضا أمام خيارات مفتوحة وبيروت تستعد الآن لمواجهة استحقاقات دستورية مهمة (انتخابات رئاسية، حكومة جديدة) أو فوضى عارمة. وتل أبيب أيضا تواجه فوضى سياسية وتستعد حكومة إيهود أولمرت إلى تقبل متغيرات في التحالفات الحزبية أو إجراء انتخابات قبل موعدها قد تؤدي إلى سقوط هيكل الوزارة وحزب «كاديما» الشاروني.

المنطقة إذا تمر في «فوضى سياسية» مفتوحة على خيارات عامة ومتضاربة. وهذه الفوضى تأسست على معادلة «التوازن السلبي» وهي معادلة يمكن قراءة تفصيلاتها في بنود وفقرات القرار الدولي 1701. فالقرار تضمن كل القرارات السابقة، ولكنه لم يضع تصورات آلية تنقل الأفكار المبسطة إلى واقع ميداني معقد.

هذه الفوضى السياسية الدولية والإقليمية و»الشرق الأوسطية» مصدرها الولايات المتحدة التي تمر منذ نحو سنة في حال من الانقسام الداخلي (الديمقراطي والجمهوري) الذي بدوره ولد مراكز قوى متنافسة. ومثل هذا «التوازن السلبي» لا يمكن أن يستمر طويلا في اعتبار أن إدارة بوش نفسها تمر في امتحان صعب يضغط عليها لحسم القرار وأخذ خطوة أولية بين خيارين: التراجع الاستراتيجي (الانسحاب وتجميع القوات في العراق) أم الهجوم العبثي إلى الأمام. فالشرق الأوسط بعد توقف العدوان على لبنان منذ سنة يمر في حال انتظار. والانتظار يولد فوضى سياسية وتحديات بعضها متوقع وبعضها يقبع في زاوية مجهولة.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1803 - الإثنين 13 أغسطس 2007م الموافق 29 رجب 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً