العدد 1803 - الإثنين 13 أغسطس 2007م الموافق 29 رجب 1428هـ

مكافحة التطرف بالإعلام الإسلامي المستقل

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

قام روبرت بير، عميل وكالة المخابرات المركزية السابق المتخصص بالشرق الأوسط، أخيرا بمقابلة شاب يبلغ السابعة عشرة من العمر كان سيصبح مفجرا انتحاريا في أفغانستان، أُلقي القبض عليه قبل أن ينفذ مهمته. يَظهر مقال لبير مبني على تلك المقابلة على موقع مجلة «التايم» على شبكة الإنترنت. في ذلك المقال يكتشف بير أن الشاب، البعيد كل البعد عن كونه متعصبا مصابا بالصرع يخرج الزبد من فمه وكارها لأميركا، قد تم غسل دماغه ببساطة ليعتنق عقيدة القاعدة. ضمن السخافات التي كان الشاب يؤمن بها أن رئيس الباكستان برويز مشرف هو يهودي.

هذا الطراز من العقيدة ملاذ للمخادعين، وتأثيره مستَنبَط من اقتصار توفر المعلومات حتى يتسنى التحكم في الأسلوب الذي يرى فيه الناس العالم. وهو يزدهر في بيئات يتم فيها تبسيط الواقع بشكل زائد ليصبح منظورا مبتذلا أحادي اللون، أسود أو أبيض، للعالم. «إما أن تكون معنا أو ضدنا»، تعبير يعمل على الناحيتين.

أحد أساليب الحد من تأثير هذا النوع من العقيدة هو توسيع المنظور العالمي لهؤلاء الأكثر عرضة لقبضتها. وعلى رغم أن هذه المهمة صعبة، وأنا أعترف بذلك، في بلد مثل أفغانستان، إذ جرى سحق المؤسسات والبنية الأساسية خلال ثلاثين سنة من الحروب بالإنابة، المدعومة من الخارج، فإن الأمر مماثل في كبريات المراكز المدنية مثل مدينة نيويورك، ولندن وباريس. والسبب هو أن العقائديين الذين ينظمون العمليات الانتحارية ويصورون عمليات قطع الرؤوس يدركون أن التحكم بعمليات انتقال المعلومات ومعالجتها ببراعة أهم بكثير من تسجيل انتصارات عسكرية. الواقع أن أكثر من كونه تهديدا عسكريا، يكمن خطر القاعدة في أنها تقنع الجمهور، من المسلمين وغيرهم، بأن الإسلام عقيدة مثبتة في الزمن، وتندفع بشكل عنيد متصلب نحو مواجهة مع كل ما هو «غربي». فإذا نجحت يقوم هؤلاء الذي يقبلون بتلك النظرية الزائفة بخوض تلك الحرب التي لا تملك القاعدة القدرة الكامنة على خدمتها بنفسها.

من الأهمية بمكان أن نضمن جميعنا ألا تقع هذه الحرب بشكل كامل. لهذا الهدف، يهيب الكثيرون داخل وسائل الإعلام في التيار الرئيسي بمجتمع المسلمين المعتدلين بأن يرفعوا أصواتهم لإدانة التطرف باسم الإسلام. ومع أن الإدانة لها أهميتها من وجهة نظر رمزية فإن العملية لا تحقق الكثير من حيث تغيير المشكلة الأساسية. ما نحن بحاجة إليه إضافة إلى الإدانة هو توسيع المنظور وتعميق الطرح وتقوية التفكير المستقل والمنطقي.

مجرد إدانة الإرهاب أو تكرار العبارة الكثيرة الاستعمال «الإسلام يعني السلام» محدود في وقعه. ما يقوّي سواعد التيار الرئيسي ويضعف تأثير العقائد المشابهة للقاعدة هو تطوير طرح إسلامي أصيل يستكشف الأفكار ويشجع آراء أكثر اتساعا واحتواء للعالم. ليس الإسلام عقيدة، فله تقاليد واسعة غنية من الحوار والنقاش. ويمثل هذا الطرح الذي لا يعتبر جديدا على العالم الإسلامي، من نواح عدة عودة إلى القيم التي ساهمت في قرون من التعايش السلمي بين المسلمين والمسيحيين واليهود والهندوس وغيرهم في أماكن مثل إسبانيا والقدس والهند.

لقد جرى تطوير القيم التي تحث على الحوار والنقاش بشكل مميز في أميركا الشمالية وأوروبا. لقد قمنا هنا بمأسستها في مبادئ جوهرية نتج عنها عدد من المؤسسات المهمة، بما فيها صحافة حرة. حرية إعلام الجمهور بانتهاك السلطة وتوفير سلطة معوضة ضد هؤلاء الذين يعالجون المعلومات لتحقيق مكاسب سياسية هي مفهوم أساسي للديمقراطية الأميركية والأوروبية. لسوء الحظ، ونتيجة لعقود من الحكم الدكتاتوري المستبد، مازالت أجزاء كثيرة في العالم الإسلامي تفتقر إلى هذه الحريات الأساسية. لهذا السبب يمكن للعقائديين أن يكونوا مؤثرين في السيطرة على مشاعر العامة في الخارج.

وهنا تبرز أهمية الحاجة إلى سلطة إسلامية رابعة - إعلام إسلامي مستقل بحق. يمكن رؤية مظاهر تأثيرها وظهورها المطبوع وعلى شبكة الإنترنت في أميركا الشمالية في جهود مثل مجلة «إسلاميكا» Islamica Magazine و»altmuslim.com». وتوفر هذه المطبوعات المتجذرة في المجتمع منبرا يمكن للحوار بشأن الثقافة والتاريخ والسياسة والمجتمع أن تتم من خلاله خارج الطروحات السياسية الأوسع واللغو السفسطائي. فهي تستطيع أن تشارك بشكل له معنى في إعادة تشكيل وتطوير الأفكار التي تؤثر على المجتمع الإسلامي. تشريح الناس من الخارج يختلف كليا عن مشاركة المجتمع من الداخل، مستفيدا من تاريخه بعين جماعية على المستقبل.

ستكون هناك في كل ديانة مجموعات تختزل الإيمان بعقيدة، بهدف دفع أجندتها السياسية. تختطف هذه المجموعات الدين إما عن طريق الشعبية وحب الجماهير أو العنف أو الخداع والحيلة أو غيرها، كسبيل لحشد الجماهير. لو تعرض الناس لواقع هذه العملية والخداع المبطن الذي تمثله لانخفضت سيطرة العقائديين على الجماهير إلى حد بعيد. لا يعتمد نجاح القاعدة على المدى البعيد على تشجيع العنف وإنما على التحكم بأسلوب تفكيرنا وشعورنا وتصرفنا تجاه الآخرين الذين قد يختلفون عنا. نجاحنا على المدى البعيد سيكون من خلال إثباتنا أن رسالة القاعدة ليست ذات علاقة. أحد أساليب تحقيق ذلك يكمن في إيجاد مساحات فكرية وفنية داخل المجتمع الإسلامي الذي يُسمح فيه لمنظور أوسع للعالم بأن يزدهر. القيام بما هو أقل من ذلك يوقعنا لقمة سائغة في أيدي المحتالين.

فراس أحمد/ نائب المحرر

الحسين ن. مدني/ المحرر التنفيذي لـ «إسلاميكا»، وهي مجلة عالمية مركزها الولايات المتحدة والأردن، تهدف إلى توسيع وجهات النظر بشأن الإسلام وتوفير منبر للمسلمين لصوغ اهتماماتهم وإنشاء علاقات عبر الثقافات بين المسلمين وجيرانهم وشركائهم في الدين، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند».

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 1803 - الإثنين 13 أغسطس 2007م الموافق 29 رجب 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً