العدد 1802 - الأحد 12 أغسطس 2007م الموافق 28 رجب 1428هـ

طهران وواشنطن وحوار «زغب الحواصل»

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

قبل أقل من أسبوع أعلن المسئول العسكري الثاني بالقوات الأميركية في العراق الجنرال ريموند أوديرنو أن الهجمات التي تستهدف جنودا أميركيين في العراق، وتتم بواسطة عبوات ناسفة إيرانية من نوع إي إف بي (اكسبلوزيف فورمد بينيترايتر) الشديدة الفاعلية في اختراق الدروع، قد سجّلت رقما قياسيا الشهر الماضي، إذ تم استخدامها في 99 هجوما وقتل بسببها ثلث عدد الجنود الأميركيين الذين سقطوا في المعارك خلال يوليو/ تموز الماضي، متهما الميليشيات «الشيعية» بارتكاب 73 في المئة من الهجمات التي أدت إلى مقتل أو جرح جنود أميركيين في بغداد، وهو ما مهّد لأن يقوم الجيش الأميركي بعدها بقتل ثلاثين مسلحا من جيش المهدي في قصف للمروحيات ضد مواقع في مدينة الصدر الشيعية (شرق بغداد) معقل الصدريين واعتقال إثني عشر آخرين خلال عملية دهم لمواقع في المدينة تعمل على تهريب الأسلحة والمتفجرات الخارقة للدروع من إيران إلى العراق كما ادعى ذلك المسئول.

وبطبيعة الحال فإن ذلك الإعلان وتلك العمليات ضد مواقع جيش المهدي وميليشيات شيعية أخرى جاءت قُبيل زيارة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي إلى طهران والتي ختمها على وقع تحذير الرئيس الأميركي جورج بوش له بقوله «إذا كانت الإشارة التي يريد (المالكي) إرسالها بأن إيران تضطلع بدور بنّاء، ينبغي أن أجري نقاشا صريحا مع صديقي رئيس الوزراء لأنني أعتقد أن الأمر ليس على هذا النحو، وأتمنى أن تكون رسالته (التي نقلها للإيرانيين) مشابهة لرسـالة الولايات المتحدة»، وهو تحذير صريح قَصَدَ منه الرئيس الأميركي تأطير العلاقة بين حكومة الائتلاف وبين طهران من علاقة سياسية تخضع لآيديولوجيا دينية إلى علاقة سياسية تأتمر بقرار الإدارة الأميركية وقواتها هناك، خصوصا وأن المالكي وصف محادثاته في إيران بأنها «ناجحة» كما أنه اجتمع بعوائل الدبلوماسيين الإيرانيين الخمسة الذين اختطفهم الجيش الأميركي في شمال العراق مطلع يناير/ كانون الثاني 2007 بتهمة الانتماء إلى الباسدران واعدا (أي المالكي) ببذل كل ما في وسعه للإفراج عنهم، وعن 1300 إيراني محتجزين في سجون أميركية داخل الأراضي العراقية. ولأن هذه الرسائل والتحرشات الأميركية بإيران قد توالت منذ الثامن والعشرين من شهر مايو/ أيار الماضي والتي تأتي عادة بُعيد أي حوار يُجريه الجانبان بشأن العراق فإن الأمر في مجمله يأتي في هذا الإطار لا أكثر ولا أقل، وربما جاء التصعيد الإيراني ضد القوات الأميركية في محافظات الوسط ليخدم المسار المزدوج لديها، وهو إشغال الولايات المتحدة بجرح غائر يكبح جماح المحافظين الجُدد في الإدارة الأميركية من توجيه ضربة عسكرية لها وهو ما نجحت طهران في تحقيقه بعد انحسار هذا الخيار وسيطرة المحافظين التقليديين على مراكز مهمّة في الإدارة، والثاني كرد على سلسلة الإجراءات التي تتخذها واشنطن ضد طهران والتي كان آخرها مصادقة مجلس النواب الأميركي على مشروع ضد إيران يتم بموجبه منح دعم قضائي للحكومات والمستثمرين الذين يسحبون رساميلهم من الشركات المستثمرة في الأراضي الإيرانية ويمنح الحصانة أمام الشكاوى القضائية ضد مديري الشركات الذين يسحبون رؤوس أموالهم من الشركات التي تستثمر أكثر من 20 مليون دولار في قطاع الطاقة بإيران طبقا لقانون داماتو، وأيضا مصادقة المجلس على توسيع نطاق العقوبات المفروضة حاليا على الجمهورية الإسلامية لتشمل حظر التعامل مع قطاع الصناعات البتروكيماوية والغاز الطبيعي وشركات الاعتماد والتأمين وسائر الشركات المالية المستثمرة في قطاع الطاقة بإيران. وهو إجراء يهدف ربما إلى تعطيل الاتفاق الموقّع بين طهران وأنقرة في الثاني عشر من الشهر الماضي والقاضي بتصدير الغاز الإيراني إلى أوروبا عبر تركيا وكذلك الغاز التركمانستاني عبر إيران وتركيا إلى أوروبا، بالإضافة إلى التعاون بين البلدين في تطوير مناطق استخراج الغاز في منطقة عسلوية (جنوب إيران).

بالتأكيد فإن ملف العراق بالنسبة للجمهورية الإسلامية الإيرانية والولايات المتحدة الأميركية هو معقّد بشكل كبير إلى الحد الذي يضطر فيه الخصمان إلى تغيير تحالفاتهما وأوراقهما بين الفينة والأخرى لتحقيق مكاسب أكثر، فواشنطن حين أسقطت نظام صدام حسين قدمت خدمة مجانية غير عادية وغير مباشرة في الوقت نفسه للجمهورية الإسلامية، فهي أزاحت واحدا من أهم أعدائها التاريخيين من دون أن تخسر شيئا لا من المال ولا من السلاح، وفي المقابل فإن إيران وبعد سقوط نظام البعث كان أمامها عدة خيارات ليس بينها ما يَسُر، فإما أن تُغلق حدودها وتنكفئ على نفسها وتترك الأميركيين من دون رقيب في العراق ليُحفّزهم ذلك على الإنقضاض عليها من دون رادع وهو ما يعني «غباء» سياسي من الدرجة الأولى لم يعتد الإيرانيون عليه، وإما أن تستثمر علاقاتها السياسية والآيدلوجية مع العراقيين الذين كانوا يعتاشون داخل أراضيها مدة ربع قرن وتُعمِل آلتها الدينية لتحريك ورقة وحدة الانتماء الديني والسياسي، وفي ذلك قد تصطدم بمحذور العلاقة المزدوجة بين علاقتها مع حلفائها في الحكم وبين الاحتلال الأميركي هناك والتي يجمعهما مشترك المصالح العملياتية منذ أبريل/ نيسان من العام 2003، فالقياديون في المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق (سابقا) يعلمون أن الإيرانيين كانوا غير راضين عن العلاقة الحسنة التي كانت قائمة بين المجلس (إباّن فترة معارضته لنظام صدام حسين) وبين الولايات المتحدة الأميركية، وقدموا رأيهم في ذلك صراحة بعد اجتماعات القيادي في المجلس بيان جبر صولاغ بمسئوليين أميركيين في واشنطن بعد النصف الأول من عقد التسعينات، لذلك فإن الأمر بالنسبة إلى طهران بالغ الحساسية في الحفاظ على حليفهم الحليف لعدوهم اللدود في الوقت نفسه، وهو الأمر ذاته بالنسبة إلى الأميركيين الذين قد يملّون من هذه العلاقة غير الاستراتيجية والمحفوفة بالمخاطر ويُبادروا إلى استبدال حكومة الائتلاف بحكومة أكثر ندا لإيران برئاسة إياد علاوي.

على أية حال بدت الظروف بالنسبة إلى الجانبين معقّدة، لكنها أقل تعقيدا بالنسبة إلى الجانب الإيراني، وإذا كانت هناك من مشكلة تواجهها إيران داخل أروقة الملف العراقي فهي تكمن في طريقة إدارة العمل المزدوج عبر دعم حكومة حلفائها في العراق من جهة، وعبر إشغال الجنود الأميركيين بالعبوات الناسفة.

القضية الأساسية التي يجب على الأميركيين أن يعوها هنا هي أن محادثاتهم مع الإيرانيين قد لا تتكرر مرة أخرى بشأن العراق إذا ما استمر تلازم تلك المحادثات مع سياسات عدائية يقومون بها، خصوصا وأن قبول طهران لها جاء متأخرا منذ أن تقدمت الإدارة الأميركية بهذا الطلب في نوفمبر/ تشرين الثاني ما قبل الماضي، كما أن أصوات كثيرة في طهران أخذت تُصرّح بمعارضتها لهذه المحادثات بعد أن تبيّن (حسب رأيهم) أن واشنطن قد كسرت تابو قطيعتها مع الإيرانيين لتبرهن للعالم جديتها للحوار وفي الوقت نفسه تُمارس سياسة عدائية لبلادهم في المحافل الدولية وعبر التشريعات الاقتصادية لمزيد من العقوبات، مع إعلان قائد قوات الحرس الخاصة بحماية الطيران في الباسدران الجنرال أحمد حق طلب في مراسم تعريف القائد الجديد لشئون أمن الطيران في مطار كيش أن إيران أحبطت ومنذ العام 1984 ولغاية أغسطس/ آب الجاري 130 عملية لخطف الطائرات في سماء إيران تورطت فيها عناصر مرتبطة بالمخابرات الأميركية، لذلك فإن عدم استثمار الانفتاح الإيراني سيعني ضياع فرصة أمام الأميركيين لكي يُقلّلوا من عدد النعوش المنقولة إلى واشنطن من العراق كل يوم.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 1802 - الأحد 12 أغسطس 2007م الموافق 28 رجب 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً