يا ترى كم من المسافات الزمنية والسنوات الضوئية التي يحتاجها العالم الإسلامي والعرب للحاق بالحضارة الغربية؟! الزائر لبلاد الغرب والذي تكون مادة يومياته وزاده الثقافي والمعرفي من تفاصيل الحياة اليومية، هو وحده من يلحظ البون الشاسع، والمسافات الزمنية المتمادية في البعد، بين الحياة في دول الغرب، بلاد «بره»، والحياة في الدول الإسلامية.
دول الغرب قائمة على القانون والنظام، ويعني القانون تلك القواعد العامة والمجردة، ويعني النظام دقة سير الحياة وتنظيمها في شتى المجالات المتعددة... لقد أدهشني ذلك النمط المنظم للحياة، والرتم غير القابل للاختراق لا من ملك ولا من وزير ولا من غفير، ولا بواسطة «واو» الواسطة أو الجماعة أو الإقليم أو «البغشيش»... كل شيء يسير بدقة متناهية ومنظم بعناية فائقة، حدا يصل بالناس إلى السؤال عن كل أمر غريب، هل هو حسب القانون أم لا؟!
عجبت والله من تلك الحياة، والتي كنت أقرأ عنها كثيرا في بطون الكتب والمجلات والصحف وأشاهد بعض مفاصلها في التلفاز والأفلام السينمائية.
ولكن السماع أو القراءة غير المعاينة والمعايشة اليومية لحياتهم؛ ذهابهم إلى أعمالهم، قضائهم لأوقات فراغهم، وإلتزامهم بالقوانين والأنظمة في أبسط الأشياء وأصغرها... إلخ من تفاصيل حياتية أخرى.
كل ما رأيت جعلني في حيرة من أمرنا نحن العرب والمسلمين، وتحديدا العاملين في قطاع الثقافة أو المرشدين الدينيين والخطباء المسلمين، إذ كيف يذهلون عن هذا النمط وتلك الحياة الغربية ولا يبذلون جهدا يذكر للتنويه وحث الناس على الأخذ بأسباب التقدم الحضاري للعالم الغربي.
ولا ينشغلون إلا بالتركيز على أن الغرب كفار، والغربيين عراة وشاربي خمر ولاعبي قمار... إلخ من عبارات يرددها من يتقدم الصفوف في العالم الإسلامي!
تتجاهل الطلائع والنخب الإسلامية، في العالم الإسلامي، مفاصل الحياة الغربية كافة، وتركز (فقط) على إظهار الجوانب السيئة في الغرب، والعادات السلبية التي يمارسها الغربيون فقط!
ولو كانت الطلائع والنخب الإسلامية في بلادنا ركزت على الجوانب المضيئة في الحضارة الغربية وأسباب التقدم، وهي كثيرة، لكان حالنا غير ما نحن عليه اليوم. ولو التزمت تلك الطلائع والنخب الإسلامية بما طرقه المفكر الإمام محمد عبده حينما ذهب ذات يوم إلى بلاد الغرب فقال:«رأيت الإسلام ولم أر المسلمين»، في إشارة إلى العدالة وإقامة العدل بين الناس والمساواة أمام القانون والقضاء على الاستبداد والإقطاع... إلخ من مبادئ هي عماد الحياة في بلاد الغرب، لو التزمت تلك الطلائع والنخب بما قاله الإمام محمد عبده وقرعت طبول الإنذارات والتحذيرات المتكررة في مجتمعاتنا الإسلامية؛ لكان حالنا أفضل مما نحن عليه الآن.
فالعرب والمسلمون يعيشون حالا من التخلف الحضاري، يبدأ بحياة الإنسان ذاته ولا ينتهي بالسذاجة التي يتم التصرف فيها بالمال العام وثروات البلاد الإسلامية قاطبة. وللحديث بقية، إن كان في العمر بقية.
إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"العدد 1802 - الأحد 12 أغسطس 2007م الموافق 28 رجب 1428هـ