من السهولة بمكان أن تطلق أي توصيف تشاء على من تشاء وأنى تشاء، ومن السهولة أيضا توجيه أصابع الاتهام لأي طرف كان لحاجة في نفس يعقوب أو لتصفية حسابات شخصية أو فئوية أو طائفية.
لسنا مغفلين إلى هذه الدرجة لنصدق أي فرية تطلق، ومن أي فاه صدرت، ويجب أن يكون واضحا أنه لا يجوز أن نوغل في فتح جبهة وهمية مع أي طرف وطني مهما كان مبلغ الخلاف، ومن الخطأ الفاضح تصوير أي تيار فكري أو مذهبي بأنه رأس حربة يجب اجتثاثها من الوجود.
«الأمن القومي» ليس بهذه الهشاشة، ونحن لسنا بهذا المستوى الهابط من السطحية، ولا نصدق كل من يفتح نارا في وجه خصم سياسي، والاختلاف السياسي لا يبرر إطلاقا أن نصنف الناس بأوصاف غير لائقة، وهو ليس مدخلا مناسبا لتجريح أي فئة من فئات المجتمع، والرغبة الشخصية الجامحة في الانتقام لا يمكن أن تنسحب على مهاجمة أحد، كبيرا كان أو صغيرا.
ملاحظات كثيرة ونوعية وحقيقية يمكن أن تسجل على طريقة نشأة بعض التيارات السياسية وامتداداتها الاقليمية، و تحفظات جمة يمكن أن تورد على نهجها السياسي أو علاقتها مع النظم الحاكمة، ولكن هذا لا يبرر تحويل هذا التيار أو ذاك عدوا لدودا، بحيث ننصرف عن كل قضايانا لنوجه سهامنا شرقا وغربا.
لا يوجد تيار فكري أو سياسي يهدد الأمن القومي للبحرين، والإخوان المسلمون من الكل الذين لا أراهم خصما كبيرا، حتى أهاجمهم ليلا ونهارا، والأمر كذلك مع العلمانيين والبعثيين والسلف وغيرهم، ولا يحق لي أن أوزع صكوك الغفران أو التسقيط بحق أي تيار ما لم يخرج عن دائرة المسلّمات العامة أو الإجماع الوطني.
في وقت سابق، (في التسعينات تحديدا) قيل عن التيار المعارض أنه يهدد الأمن القومي للبحرين فقط لأنه كان يطالب بعودة الدستور الشرعي والبرلمان المنتخب، و من يحملون على ظهورهم اليوم لواء الوطنية، ومن يرفعون يافطات الدفاع عن البحرين من الأخطار القومية هم ذاتهم من صنف المطالبة الشعبية العادلة بأنها «ضرب من الإرهاب».
معركتنا يجب أن تكون واضحة، ويجب ألا تنحرف بوصلتنا لفتح نافذة صراع محتدمة ذات اليمين أو ذات الشمال، ويجب ألا نقحم أنفسنا، ونستنزف أوقاتنا وقوانا لتسخيرها في معارك عدائية وهمية مع أي فصيل وطني، بل لا يجوز لنا أن نسمح لغيرنا أن يخوض حروبا باسمنا سواء مع الداخل أو مع أية دولة من دول الجوار، ومعركة الشعب السلمية والشرعية هي تقليل الاستبداد السياسي و احتكار السلطة والثروة إلى أقل قدر ممكن، والحفاظ على القدر المتحقق من الحريات المدنية والسياسية والسعي الجاد لتطوير المكتسبات الشعبية العامة غير الطائفية وغير الأيديولوجية.
نعم، هذه هي معركتنا الوطنية، وإذا أردنا أن نخرج منها منتصرين يجب أن نزيل الحجب التي يحاول زيد أو عمر أن يضعها أمام أعيننا وأمام قلوبنا، وهذه المعركة تتطلب منا أن نضحي بنزواتنا الذاتية، ويجب أن نتجاوز «براغماتيتنا»، وبقدر ما ننجح في التخلص من هذه العقد المترسبة في أعماقنا سنكتب نجاحا.
ثمة صفة بديهية تلازم العقلاء دائما، أنهم لا ينجرون للمعارك الوهمية الصغيرة، وهؤلاء هم الغالبية، هناك من أتخذ من «الوطنية» شعارا محتكرا للدخول في مخططات خطيرة وغير محسوبة العواقب، وقد يظفر أحدهم بأرض شاسعة هنا أو هناك، أو بهذا المنصب أو ذاك، ولكن في ميزان هذا النفعي تبخس الاثمان الكبيرة، فهو مستعد لأن يمتطي ناقة حرب مع أخ له في الوطن وبأية طريقة تحلو له، وهو لا يخاف عقباها، وإن كانت النتيجة أن يحرق وطنا.
هذه هي رسالتنا وهي معركتنا، وأرجو أن تكون الرسالة قد وصلت، لأعرف رجع الصدى «الفيد باك»، كما قالت ملكة سبأ لحاشيتها: «فناظرة بم يرجع المرسلون»(النمل:35)!
إقرأ أيضا لـ "حيدر محمد"العدد 1801 - السبت 11 أغسطس 2007م الموافق 27 رجب 1428هـ