ما الذي يجعل رئيس القسم الدولي يتفق في الرأي مع ربّة بيت في الأربعين من عمرها، قليلة الاهتمام بالأخبار الدولية، بشأن عدم تصديق أخبار القرصنة الجارية على سواحل الصومال؟
ففي عصر الإثنين الماضي، ونحن نتابع آخر أخبار اختطاف ناقلة النفط السعودية، شكّك الزميل في صحة هذه الأخبار، ورجّح أن تكون وراءها أجندة دول كبرى. وفي المساء، وبينما كنت أتابع الأخبار، سمعت الملاحظة نفسها من ربة المنزل: هل تصدّق أنهم قراصنة... معقولة يا أخي؟
الملاحظة كانت كفيلة لمتابعة الموضوع، فمن الصعب أن تصدّق أن منطقة إستراتيجية كالقرن الأفريقي، تعاني من فراغ أمني منذ سنوات، وقد أرسلت القوى الكبرى أساطيلها وقطعها الحربية لحماية سفنها وناقلات نفطها وخطوط تجارتها الدولية، فكيف يمكن أن تحدث عمليات القرصنة بشكل يومي، حتى زاد عدد السفن التجارية المختطفة هذا العام على التسعين؟
ناقلة النفط السعودية تمّ اختطافها من منطقةٍ تبعد مئات الأميال عن السواحل الصومالية، وهي تحمل ربع الإنتاج اليومي السعودي، وتبلغ قيمة شحنتها أكثر من 100 مليون دولار. وهذه المنطقة تحظى بتواجد عسكري دولي كثيف (أميركي وروسي وأطلسي)، والدول الأوروبية وضعت خطة لمواجهة أعمال «القرصنة» بالمنطقة، ونقرأ بين يوم وآخر أخبار تصدّيها لإفشال محاولات اختطاف سفن جديدة بهدف الحصول على فدية. ولكن هل هذا السيناريو مقنع حقا؟ قراصنةٌ على سفن صيد سريعة يقومون باختطاف سفنٍ عملاقة من أعماق المحيط، بعد أن يتسلقونها باستخدام الحبال أو السلالم، ويقتادونها إلى داخل المياه الصومالية؟
اللافت أن متحدثا باسم البحرية الأميركية هو أول من أعلن نبأ اختطاف الناقلة السعودية، وحين نقلت قناة «العربية» عن مسئول سعودي خبر الإفراج عن طاقمها، أسرع متحدثٌ باسم الأسطول الخامس الأميركي في دبي لنفي هذه المعلومات. فالمعلومات الوحيدة المسموحة تصبّ في اتجاه واحد فقط، لتعميم سيناريو واحد لما يجري في هذه المنطقة التي تدفع منذ نصف قرن أقلا، كلفة الصراعات الدولية، جوعا وفقرا وتفتتا وانهيارا.
إن ما نشاهده إنما هو فصلٌ جديدٌ من فصول «لعبة الأمم»، حيث الكثير من الدجل والتعتيم وتضليل الرأي العام العالمي. ولعل ما يوضح ذلك ما قاله منسق برنامج مساعدة ملاحي شرق إفريقيا، من أن «هناك أناس يقولون إنهم شاهدوا سفينة ضخمة قبالة ايل (قرية ساحلية صومالية نائية)، لابد وأنها الناقلة العملاقة». فعندما يتم التعتيم والتلاعب بالمعلومات، تلجأ بعض وكالات الأنباء إلى مصادر خبرية هزيلة، و»أناس يقولون»، ولابد أنها «الناقلة المخطوفة»! أما الاستخبارات العالمية والأقمار الصناعية التي ترصد دبيب النمل في الصحراء، فقد تبخرت من الوجود ولم يعد أحدٌ يذكرها!
مصالح دول، وصراع مخابرات، وصناعة نفطية تتحكم في اقتصاد العالم، هل يمكن أن تُترك لمجموعات من القراصنة، المنتشرين على سواحل دولةٍ فاشلةٍ منهارة؟ من يصدّق؟
هناك همساتٌ بدأت تتسرّب الآن في الصحف الأجنبية، بعضها يدور حول وجود مخططٍ كبيرٍ لاحتلال خليج عدن والبحر الأحمر بعد الانتهاء من الخليج، وهناك من يتكلّم عن تحويل القرن الإفريقي إلى مكبّ نفايات نووية ضخم. فهذه فرصةٌ يجب ألا تضيع على الغرب. ودولنا العربية ذات العلاقة لم تجرؤ على النطق بكلمةٍ، والجامعة العربية مازالت نائمة عما يجري لأحد أعضائها، بانتظار كارثةٍ بيئيةٍ ستهدّد حياة سكان المنطقة لقرون مقبلة
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 2266 - الثلثاء 18 نوفمبر 2008م الموافق 19 ذي القعدة 1429هـ