العدد 2266 - الثلثاء 18 نوفمبر 2008م الموافق 19 ذي القعدة 1429هـ

المجتمع المدني المتحضر

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

خبران لفتا نظري، قرأتهما على موقع هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، الخبر الأول يقول بتعهد الرئيس الاميركي المنتخب باراك أوباما ومنافسه السابق جون ماكين بالعمل سويا في «عصر إصلاحي جديد» لاستعادة الثقة في الحكومة، كما تعهدا بالعمل سويا لمواجهة الأزمة المالية والتحديات القومية الأخرى. أما الخبر الثاني فهو يتكهن باحتمال توقف أوباما عن استخدام البريد الالكتروني لأن قوانين الشفافية تفرض إتاحة مراسلاته أمام الرأي العام، مؤكدا أن أيا من بيل كلينتون أو جورج بوش لم يستخدما البريد الالكتروني خلال وجودهما في البيت الأبيض، لكنهما على العكس من أوباما لم يكونا من مستخدمي البلاكبيري (Blackberry)، مع العلم بأن أوباما يأخذ بريده الالكتروني المتنقل معه إلى كل مكان.

أهمية الخبر الأول هو أن نتيجة الانتخابات في المجتمعات المتحضرة، مثل المجتمع الأميركي، تضع حدا للصراعات التي ولدتها تلك الانتخابات. في تلك المجتمعات يدرك المترشحان مسبقا أنهما اثنين وأن هناك كرسيا رئاسيا واحدا لا يمكن أن يحتله أكثر من فائز واحد فحسب. وما إن تضع حرب الانتخابات أوزارها حتى يرتقي الفائز إلى منصب الرئيس، فيكتسب حقوقه الرئاسية ويمارس صلاحيته التي تتواءم معها، وبالمقابل يقبل الخاسر بالنتيجة.

هذه الحالة المدنية المتحضرة هي صمام الأمان الذي يضمن عدم التفات القيادات إلى الوراء وإرغامها، طوعا، على النظر دوما نحو الأمام من أجل بناء المستقبل عوضا عن الغرق في أوحال التاريخ، أو التكلس في خلافات الماضي.

هذا الأمر ليس محصورا في الانتخابات الرئاسية فحسب، بل شاهدناه بجلاء في السباق التنافسي ضمن الحزب الديمقراطي، والذي كان، أي الصراع، أكثر حدة فيه، من الصراع بين الحزبين المتنافسين. لكن ما إن قالت قواعد الحزب الديمقراطي كلمتها، واختارت باراك أوباما بدلا من هيلاري كلنتون، حتى وجدنا هذه الأخيرة تنخرط باندفاع في الحملة المؤيدة لأوباما ضد جون ماكين.

وبالنسبة إلى الخبر الثاني والذي هو العلاقة بين الرئيس الأميركي وبريده الإلكتروني والشفافية المرافقة لذلك، فبغض النظر عما يقال عن حيز الحريات والرقابة في النظام السياسي الأميركي، يبقى هذا الحيز واسعا وقابلا للمزيد من التوسع، وفقا لموازين القوى السياسية، مقارنة مع تلك الهوامش المتاحة في دول أخرى، بما فيها منظومة الدول الغربية.

من هنا ينبغي النظر إلى حق المواطن الأميركي المكتسب في الاطلاع على البريد الإلكتروني الخاص برئيسه، على أنه يعني، أنه في المجتمعات المدنية المتحضرة، تتناسب حقوق المواطن طرديا مع درجة علو مسئولية الفرد في سلم صنع القرار في المؤسسة الأميركية الحاكمة. فكلما صعد الشخص، اتسعت رقعة حقوق المواطن في مراقبته ومحاسبته.

والمراقبة هنا ليست من باب التشفي، أو الانتقام، بقدر ما هي صمام أمان آخر يضمن حق المواطن في الاضمئنان على سلامة الأمانة التي وضعها في رئيسه عبر صندوق الاقتراع من جهة، وحرص الرئيس، شاء أم أبى على صون تلك الأمانة واحترام قوانينها من جهة ثانية.

لا نملك ونحن نتلقى مثل هذه الأخبار إلا أن نلتفت نحو مجتمعاتنا العربية، وخاصة تلك التي تدعي أنها قطعت أشواطا طويلة على طريق التحول نحو المجتمع المدني المتحضر، كي نكتشف كم هي المسافة الفلكية التي لاتزال تفصلنا عن تلك المجتمعات.

فعلى صعيد الخلافات بين القيادات السياسية، لاتزال تحكمنا معارك تصل أعمارها إلى قرون من الزمان. ونحن هنا لا نحصر الكلام في الصراعات الطائفية، بل نتجاوز ذلك لنلقي الضوء على الخلافات المستعصية ضمن الطائفة الواحدة ذاتها، دع عنك تلك المنبثقة من أصول عرقية أو قبلية، تعيش جميعها تحت سقف دولة واحدة، ويفترض أن تتعايش وسط مجتمع واحد.

أما علاقة المراقبة بين الرئيس والمرؤوس، فبوسعنا القول إنها لااتزال أحلاما ترواد ذهن المواطن العربي. فكم دساتير تغيرت في لمح البصر كي تضمن استمرار السلطة في نسل الرئيس، وكم من القوانين استحدثت كي تقيم جدرانا من الحديد والصلب بين المواطن ومن يحكمه.

وإلى أن ننسى خلافاتنا في المراحل التي ليست بحاجة لها، وكي يتسنى لنا مراقبة رؤساؤنا علينا أن نعترف بأن الأولى لاتزال تعشش في نفوسنا وأن الأخرى لاتزال بعيدة المنال عنا، وفي غيابهما يستحيل الحديث عن مجتمع مدني متحضر

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2266 - الثلثاء 18 نوفمبر 2008م الموافق 19 ذي القعدة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً