العدد 2266 - الثلثاء 18 نوفمبر 2008م الموافق 19 ذي القعدة 1429هـ

ملفات «الشرق الأوسط»... والمرحلة الانتقالية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

هل يعود التوتر ليرفع درجات الحرارة في ملفات «الشرق الأوسط الكبير»؟ المؤشرات تدل إلى عودة السخونة إلى نقاط جرت محاولات حثيثة لوقف تدهورها أو انفجارها في الشهور الماضية التي سبقت الانتخابات الأميركية. وعودة التوتر يمكن رصدها من متابعة تلك الإشارات القلقة التي أخذت تظهر على سطوح الملفات بعد برودة مؤقتة وتوافقات مفتعلة.

الملف الأفغاني أخذ يشهد تجاذبات سياسية بعد هدوء تمثل في دعوات أظهرت ميولها للتفاهم مع حركة «طالبان» لترتيب علاقات تتوازن في إطارها مصالح «الدولة» المدعومة بقوات دولية وحقوق «قبيلة» طردت من السلطة عنوة بعد اجتياح نهاية العام 2001.

الملف العراقي عاد إلى واجهة التوتر الدموي بعد تراجع درجة العنف في السنة الأخيرة. فالقوى التي صادرت القرار نجحت في ترتيب توازنات تجمع بين مصالح «سلطة» مدعومة من الاحتلال وحقوق «طوائف» و «أقاليم» تريد المشاركة في إطار صيغة تعاقدية تضبط الحصص من دون تفريط بالتوازنات الأهلية الدقيقة.

الملف الفلسطيني الذي انشطر إلى سلطتين عاد مجددا إلى حافة التوتر بعد أن دخل مؤقتا في طور من الهدوء النسبي نتيجة توصل حركة «حماس» إلى تفاهم مع حكومة إيهود أولمرت قضى بوقف إطلاق الصواريخ وتأمين الحدود مقابل فتح المعابر للأشخاص والمؤن. وشكل الهدوء النسبي في قطاع غزة فرصة للتفاوض على الجانب الآخر من السلطة الفلسطينية ما أعطى حكومة أولمرت تلك الذريعة للتهرب من الالتزامات الدولية والوعود اللفظية بشأن الانسحاب المدروس من الضفة الغربية.

الملف السوداني أخذ يشهد حالات عنف بدأت تضرب بعض المناطق في إقليم دارفور. وعودة التوتر إلى السودان لا يمكن عزلها عن تلك المتغيرات الدولية والإقليمية التي تمظهرت سياسيا في تراجع التأثير الأميركي وعدم قدرة واشنطن على مواصلة الضغوط في دائرة القرن الإفريقي.

الملف الصومالي الذي شهد في السنوات الأخيرة انفجارات أهلية وتدخلات إقليمية (إثيوبيا) أفضت إلى نوع من التهدئة القبائلية بدأ يستعيد سخونته نتيجة انهيار الوضع الأمني ونمو ظاهرة «القرصنة» البحرية (96 عملية قرصنة) التي تتوجت دوليا بخطف باخرة محمّلة بالأسلحة الأوكرانية وحاملة نفط سعودية.

حتى الملف اللبناني الذي وصل إلى شفير الهاوية في مايو/ أيار الماضي وتم احتواء تداعيات انفجاراته الأهلية تحت سقف «اتفاق الدوحة» بدأ يتوتر سياسيا بسبب عجز الأطراف المحلية عن صوغ تفاهمات تؤكد الثوابت وتمنع انزلاق بلاد الأرز إلى الانهيار. فالأجواء اللبنانية أخذت تستعيد نغمة التصعيد اللفظي والتراشق الكلامي بعد فترة هدوء اتصف بالعقلانية ونجح في تبريد خطوط التماس والعكوف على انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة مشتركة والبدء في جلسات الحوار الوطني. هذا التقدم الحذر في إطار الموادعة الأهلية أخذ يتراجع في الفترة الأخيرة وبدأت تظهر في الشاشات والمرئيات والفضائيات «مفردات» اختفت نسبيا من محطات التلفزة. والتصعيد اللفظي المتبادل الذي تصاعد بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية والمشاركة العربية في قمتي «حوار الأديان» و «دول العشرين» في نيويورك وواشنطن أعطى إشارات تحذّر من احتمال عودة السلم الأهلي إلى سخونة ترفع من درجة التشنج.

السخونة مرشحة

السخونة يرجح أن ترتفع درجة حرارتها في فترة يمرّ فيها الوضع الدولي في مرحلة انتقالية وحالات من الترقب والانتظار. ومثل هذه الفترة تكون عادة خطرة لأن الدولة الكبرى الراعية للملفات تعيش مخاض «دوخة» نفسية بسبب توترها الداخلي الناجم عن أزمة الأسواق المالية وما نتج عنها من تفاعلات أعادت خلط الأوراق الانتخابية.

الرئيس الأميركي جورج بوش يحسب الأيام والساعات وينتظر اقتراب لحظة الخروج من البيت الأبيض ما يعني أنه بدأ يفكر في ترتيب جدول الأعمال بالقدر الممكن حتى لا تتداعى أحجار «الدومينو» وينهار كل ما اعتقد أنه «إنجازات». فالرئيس بوش يدرك سلفا أن سياسته فاشلة وهو غير قادر على ضبط ملفات في الأسابيع الأخيرة بعد سنوات من الضياع. ومثل هذه الحال النفسية تضغط على البيت الأبيض الاتجاه نحو التبريد أو التجميد حتى يستطيع نقل الملفات إلى العهد المقبل وتسليف الرئيس المنتخب مجموعة مهمات تحتاج إلى قرارات صعبة لمنع انفجارها أو احتواء تداعياتها. وعملية النقل في مرحلة انتقالية تعطي فرصة للقوى المحلية والإقليمية للتحرك في هامش معقول تستطيع من خلاله التأثير أو التعديل وربما «الخربطة». لذلك يحتمل أن تشهد خطوط التماس الجغرافية والأهلية حالات من السخونة لتحريك ملفات ستكون على رأس جدول أعمال باراك أوباما حين يتسلم رسميا مقاليد الرئاسة. وبسبب اختلاف رؤية الرئيس المنتخب عن استراتيجية الرئيس السابق يتوقع أن تتعرف المنطقة على نوع جديد من «الذبذبات الكهربائية» حتى تستقر حلقات السلسلة المترابطة من أفغانستان والعراق إلى فلسطين والسوادان والصومال ولبنان.

الأولوية تلعب دورها في ترتيب الملفات. وهذا الأمر يشكل خطوة نحو برمجة حلقات السلسلة. وبما أن الرئيس المنتخب يعطي أولوية لملف أفغانستان على حساب العراق وأولوية لملف فلسطين على حساب لبنان ستشهد حلقات سلسلة «الشرق الأوسط الكبير» تعاملات ميدانية مغايرة عن ذاك النهج الذي اعتمده بوش خلال فترة رئاسته.

السخونة إذا مرشحة للارتفاع، والمؤشرات تدلّ على أن درجة التوتر غير مستبعدة في فترة انتقالية تشهد خلالها «الدولة الكبرى» الكثير من الأزمات بعضها عالمي يحتاج إلى مشاركة دولية لمعالجتها وبعضها داخلي ناتج عن تحولات رئاسية مترافقة مع متغيرات في مزاج الشارع وحاجاته وأولوياته. وبما أن الجانب العالمي من الأزمات يتطلب مشاركة دولية تصبح الجوانب الداخلية من الأزمات في حاجة إلى ترسيم معادلات إقليمية تساعد على ضبط ملفات ساخنة قابلة للانفجار في المرحلة الانتقالية.

التوتر المحدود الذي أخذ يزعزع التفاهمات الجزئية في مناطق «الشرق الأوسط الكبير» مسألة مفهومة ولا يثير القلق... إلا أن خطر التوتر يصبح مشكلة إذا بالغت القوى الإقليمية تقدير إمكاناتها وانجرفت باتجاه قراءة غير دقيقة للمعادلة الدولية. فالمبالغة في الحسابات تساوي الإفراط في التوازنات ما يستدعي تدخلات إضافية لضبط المعادلة في إطار تتحكم في ملفاته أولويات غير محسوبة أو متوقعة

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2266 - الثلثاء 18 نوفمبر 2008م الموافق 19 ذي القعدة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً