على رغم جهود المتنافسين السياسيين لتحويل انتخابات 22 يوليو/ تموز إعلاميا كمواجهة بين الإسلاميين والعلمانيين (وتبني هذا الطرح بصورة مناسبة في أوساط البعض في أوروبا الذين يضعون مفاهيم الشئون العالمية وعضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي عبر هذه الخطوط) كان التركيز في تركيا إلى درجة كبيرة على إدخال الديمقراطية والنمو الاقتصادي والاستقرار.
تعاملت حكومة حزب العدالة والتنمية المحافِظة مع المشكلات التي بقيت قابعة بتلكؤ على الأجندة التركية لعدة عقود. كما أن النمو الاقتصادي لم يسبق له مثيل. جمعت الكثير من العوامل معا لإطلاق الدائرة الحميدة التي مرت البلاد بتجربتها. وليس من الضروري أن يلجأ المرء إلى تفسير منطقي أيديولوجي ليفهم لماذا صوَّت الناخبون لمزيد مما سبق، حيث صوَّت ناخب من كل اثنين لصالح حزب العدالة والتنمية. وليس من الضروري أن يضفي أي كان الرومنطيقية على الحزب. إنها «حكومة أكثرية» ذات مواقف براغماتية اغتنمت الفرص التي تهبها الاتجاهات المحلية والدولية.
لعبت مرساة الاتحاد الأوروبي دورا مهما في تحقيق عملية توقّع السياسات، وبالتالي تحقيق الثقة لدى أصحاب الأعمال. كانت الحريات المتزايدة، مضافا إليها شعور بالاتجاه، محفزّة ومطمئنة وذات مضامين سياسية واجتماعية واقتصادية يعزز كل منها الآخر. جرى إطلاق دائرة حميدة نتيجة لتوقعات إيجابية ترتكز على عملية التكامل في الاتحاد الأوروبي والتغييرات الهيكلية التي تشملها.
وعلى رغم التعقيدات المحيطة بقضية قبرص وخسارة التحفيز الناتج عن رؤية الأتراك للسياسيين الأوروبيين الذين يديرون حملاتهم الانتخابية حول طرح معادٍ لتركيا يفوزون بالسلطة واحدا بعد الآخر في الدول الأوروبية، ارتكبت أحزاب المعارضة أخطاء في الرهان بقوة على الشك بالاتحاد الأوروبي والتشاؤم بالانضمام إليه.
انتقد منافسو حزب العدالة والتنمية، بصوت واحد تقريبا وهم يركبون موجة الوطنية المتنامية، انتقدوا الحكومة «لتسليمهم» الدولة إلى «رحمة» بروكسل على حساب السيادة والوحدة والأمن. واعتُبر استخدام مفاهيم مثل الفخر والشرف أسلوبا لتحويل الرأي العام. وإذا أخذنا بالاعتبار نتائج الانتخابات بدا وكأن هذا الطراز من المبادئ الشعبية لا يثير إعجاب الشعب، فقد مضوا قدما ويتوجب على الطبقة السياسية أن تلحق بهم.
لقد فشلت المعارضة السياسية في التعامل مع القضايا الحقيقية. بدلا من الجدل بشأن قضايا مثل الحاجة لدستور جديد وحسنات الإصلاحات المقترحة للإدارة العامة أو نواقص الحكومة فيما يتعلق بحرية التعبير، أثارت المعارضة مشاعر قومية وقدمت تعهدات مضحكة بشأن أسعار مخفّضة للوقود التي ستفرضها إذا وصلت إلى السلطة، وأوجدت خلافا بشأن قضايا مثل غطاء الرأس الذي تلبسه زوجات الفريق الرئيسي في حزب العدالة والتنمية. كما أن البيان الذي أصدره العسكر والذي يعني ضمنيا استعدادهم للتدخل إذا تعرضت القضايا الرئيسية للجمهورية لمزيد من التهديدات من طرف حزب العدالة والتنمية، جاءت نتيجتها عكسية فزادت الدعم للحزب باسم السياسة المدنية.
ليس الأمر بشأن العلمانية، فأنصار حزب العدالة والتنمية يضمون الطبقة الوسطى المتنامية وأصحاب الأعمال الذين يريدون حماية استثماراتهم والأكراد الذين يسعون للحصول على المزيد من الحقوق والمواطن العادي الذي يريد أداء أفضل من المؤسسات العامة، والتحرريين المهتمين برجعية تنعكس إلى الداخل، والشباب الذين شعروا بسيطرة مؤسسة الحكم عليهم والمسلمون الأتقياء الذين شعروا أنه يتم استثناؤهم من قبل الدوائر الأخرى.
وحتى يتسنى تعزيز التغيير ويجعل من التقدم الذي حققته هذه الانتخابات أمرا دائما يتوجب تعديل كل من قانون الانتخاب وقانون الأحزاب، فهي تخلق حسب وضعها الحالي هياكل هرمية سياسية وتعزز علاقات الرعاية والمناصرة. هذا النظام لا يتواءم مع متطلبات مجتمع يزداد علما وتشاركية. إضافة إلى ذلك فإن المناعة الواسعة التي تعطى للبرلمانيين تضم الشعور الاجتماعي بالعدالة والمساءلة، ويجب التعامل معها بشكل ملحّ.
لم تنته مشكلات تركيا بعد، وسيجب على حزب العدالة والتنمية أن يعمل بجد ليحقق تحدياته الجديدة. يتوجب عليه أن يرأب الصدع بين مطالب الوطنيين الأكراد ومواقف المتشددين في الوقت نفسه، وتطمين المتحررين أن أسلوب حياتهم لن تغطي عليه الطبقات المحافظة التي جرى تمكينها. البرلمان الجديد يحمل إمكانات إما لتعديل خطوط الفصل الاجتماعية أو المزيد من الاستقطاب.
إضافة إلى ذلك يجب على الأحزاب الأخرى أن تدرس واقعها وتعيد تنظيم أنفسها حسب توقعات الشعب. تحتاج تركيا إلى حزب معارضة قوي يشكل وزنا مكافئا لحزب العدالة والتنمية، بتوجه جديد ووجوه جديدة، له توجه تقديم رؤية، ويتنافس على القضايا مع حزب العدالة والتنمية.
لقد نضجت الديمقراطية التركية في السنوات الأخيرة. تحتاج أوروبا لنماذج أكثر قدرة وذكاء لتحليل التغيرات الجارية في الدولة. وإذا حكمنا على سوء الحسابات الذي ارتكبته المعارضة فإن الأتراك أنفسهم بحاجة إلى ذلك أيضا.
* محللة رئيسة في مبادرة الاستقرار الأوروبية ومحررة مجلة السياسة التركية الفصلية، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 1801 - السبت 11 أغسطس 2007م الموافق 27 رجب 1428هـ