يصف البعض الحقبة التي نعيشها الآن في البحرين « بالأسوأ» على صعيد تطبيق مفهوم «الوحدة الوطنية» الذي عصفت به الطائفية حتى نخرت كالسوس في أقوى دعائمه وأكبر مؤسساته الوطنية. وعلى رغم من أننا لا نريد أن نتشاءم ونصف الوضع بهذا السوء إلا أن عودة تاريخية بسيطة لما مر على بحريننا الوادعة «البريئة» من أحداث كبار، وقف أفراد الشعب فيها كثيرا مواقف موحدة بعكس اليوم، ربما يجعلنا نصدق هذه الرؤية، بل ونتخوف كثيرا من المستقبل.
يشهد هذا الأسبوع ذكرى الرابع عشر من أغسطس/آب، وهو الإعلان الرسمي لاستقلال البحرين الذي تم في العام 1971. وهو اليوم الذي لا يذكره كثيرون ربما لارتباط اليوم الوطني بتاريخ السادس عشر من ديسمبر/ كانون الأول. غير أن للرابع عشر من أغسطس أهمية فائقة تلقي الضوء بشكل واضح على ما نعانيه حاليا من تحد كبير للوصول إلى وحدتنا الوطنية. فرمزية هذا اليوم تتحدث عن كثير من الأمور، وتلخص كثيرا من المعاني.
تبدأ هذه المعاني بلجنة تقصي الحقائق التي وصلت البحرين ضمن أعمال بعثة الأمم المتحدة في العام 1970 وبقيت لمدة 18 يوما قام مندوبوها فيها بالحديث مع أكبر عدد من الأهالي في الهيئات الاجتماعية والدينية والرياضية والثقافية «من دون رقابة رسمية» كما تؤكد أمل الزياني في كتابها ( البحرين بين الاستقلال السياسي والانطلاق الدولي). وبعد أن أصدرت البعثة تقريرها عرض الموضوع في مجلس الأمن في جلسته المنعقدة بتاريخ 11 مايو/ أيار من العام نفسه وتبنى بالإجماع ما ورد في التقرير الذي نص على أن « أغلبية شعب البحرين الساحقة ترغب في الحصول على اعتراف بهويتهم في دولة مستقلة ذات سيادة وحرة في تقرير علاقاتها بالدول الأخرى». ولعلها جملة سطرت وستستمر تسطر طويلا إرادة شعب أتيحت له فرصة ليقول كلمته بنفسه.
حوادث تاريخية كثيرة قبل هذا الحادث وبعده أثبتت معان أخرى متميزة للوحدة الوطنية في البحرين، اجتماع البحرينيين على مواقف بعينها في كل مرحلة من هذه المراحل، كان لها الوقع الخاص على إيقاع المجتمع وعلاقة أفراده ببعضهم بعضا. كان الاختلاف جزءا من ديدن المجتمع، جزءا طبيعيا مقبولا ومفروغا منه، ليس محلا للنقاش أو الجدال أو المفاضلة. وعلى رغم من حوادث التسعينات وما شهده الوضع الداخلي من أزمات، لم يكن الاصطفاف مطروحا بشكل» طائفي» واضح، والدليل ما حصل من تصويت على ميثاق العمل الوطني. ثم جاء عهد الإصلاح السياسي، وبدأ المجتمع يجني ثمارا طال انتظارها، سياسيا واجتماعيا واقتصاديا. لكن مؤشرات الوحدة الوطنية بدأت تنخفض بقوة بعد سنوات، وتنخفض وتنخفض، حتى بدأنا نصدق أننا في المرحلة الأسوأ في علاقتنا مع بعضنا بعضا. وحتى صرنا نبحث عن موقف موحد للقوى السياسية التي تحرك الشارع علها تعطينا مؤشرا بأن هنالك أمل يمكن أن نتشبث به، وحتى صرنا نبحث أيضاَ عن أي مؤشر لاجتماع أي شخصيات من أي نوع حول أي موضوع يهم هذا المجتمع الذي يعاني بكل أطيافه المشكلات نفسها، حتى نتشبث مرة أخرى برمزية اجتماع هذه الشخصيات، لتخرجنا من محنتنا النفسية ، وخشيتنا من الوقوع في مأزق مستقبلي لا مخرج منه.
هل يمكن أن نمتلك مخرجا لتحقيق الوحدة الوطنية يوما ما في بلد لم يتعود أهله على الكراهية أو نبذ الآخر؟ هل يمكن أن نحتفل يوما باستقلالنا من الكراهية ونيران الطائفية التي بدأت تغزو حتى القلوب الصافية بعد أن وجدت لها أعشاشا كبيرة في زوايا من مجتمعنا؟ نتمنى ذلك...
إقرأ أيضا لـ "ندى الوادي"العدد 1800 - الجمعة 10 أغسطس 2007م الموافق 26 رجب 1428هـ