في أطروحته للدكتوراه، أشار محمد غانم الرميحي إلى أن «العمل في حقول النفط وضع أفراد المجتمعين السني والشيعي لأول مرةٍ على قدم المساواة في الحقوق والواجبات»، («البحرين مشكلات التغير السياسي والاجتماعي»، ص 36).
النقلة النوعية التالية في العلاقات والحراك الاجتماعي كانت بفضل انتشار التعليم، الذي فتح المجال لصعود أبناء الفئات المختلفة على السلّم الوظيفي وتبوء المراكز بحسب الكفاءة والتحصيل العلمي، بعيدا عن معايير النسب والقبيلة والجماعة. فـ «ديمقراطية التعليم» لعبت دورا كبيرا في تنمية المجتمع والنهوض والرقي بالوطن. من هنا، فإن أية وزارة أخرى يمكن ترقيع أخطائها، إلاّ وزارة التربية والتعليم. فهي المصنع الذي تتعلم فيه الأجيال الجديدة أبجديات العلوم، وأسس المواطنة الصالحة واحترام القانون. ومثل هذا المصنع يجب أن يكون فوق الحسابات السياسية الحزبية، والتحالفات المرحلية، و «تمكين» تيار سياسي معين لن يكون على حساب التيارات الأخرى بل على حساب الوطن كله ومستقبله المنشود.
النظرة السياسية القاصرة، التي تتحكّم في الوضع التربوي وتوجّهه خلاف المصالح العليا للوطن، ليس من الصواب الإغضاء عنها، ومن الضروري أن نذكّر الدولة بأهم منجزاتها منذ الاستقلال، وهو «ديمقراطية التعليم»، الذي أتاح لها هذا الكم الكبير من الكوادر الوطنية التي تخدم البلد في مختلف المجالات. وهي ديمقراطية أتاحت لأبناء الطبقات والفئات المختلفة الصعود والرقي تبعا للكفاءة والقدرة والاجتهاد، وليس البعد والقرب، أو الولاء الشخصي، أو الانتماء إلى الجماعة أو الطائفة أو التيار.
في المقابل، إن سياسة «الاستئثار» بالمناصب من شأنها قتل الحوافز لدى المجتهدين، الذين جُبلوا على حب العلم والتحصيل، من أية فئة كانوا، وممارسة التمييز ضد شريحة من أبناء الوطن إنما تشيع في النفوس التذمر واليأس والقنوط. كل التقدم الحاصل في الدنيا شرقا وغربا، إنما يتغذى على الأمل، واستبعاد شرائح معينة من المواطنين يعني الإصرار على تكريس اليأس، فيصبح الحديث الكثير عن الولاء للوطن واحترام القانون ودولة المؤسسات نوعا من التعمية والضليل.
الكلام اليوم لم يعد عن التوظيف والمناصب الإدارية في المدارس وما تفعله «الواسطات»، بل انتقل إلى ما يجري من «محاصصة» في الابتعاث للدراسات العليا: (ثلث لفئة المجنسين الجدد، وثلثان للون مذهبي واحد، مع استبعاد الشريحة الباقية من المواطنين)، وهو ما سيعيد هذا البلد نصف قرن إلى الوراء، ويدمّر أفضل مكتسباته الحضارية، بعد اكتشاف النفط وانتشار التعليم.
المشكلة أن ممارسة التمييز يراد لها أن تكون واقعا على الشعب أن يتعامل معه أمرا واقعا ومقبولا، ولكن الخطأ يبقى خطأ مهما طال المدى، وخصوصا في وزارة حيوية مثل «التربية»، سلمت رقبتها لتيار سياسي معين ليتصرف فيها كيفما يشاء، توظيفا ومناهجَ وإدارات، بعيدا عن وجود أية رؤية وطنية شاملة ومجمع عليها بين مختلف القوى والتيارات. واستمرار هذا الوضع فادح الثمن، ومن المعيب حقا، أن يخرج أحد أقطاب التيار المتورط في هذه اللعبة، للتفاخر جهارا نهارا بالسيطرة على المناصب ومواقع النفوذ في هذه الوزارة أو تلك، كأنها غنائمُ للجماعة والتنظيم، مباحة للاستملاك والاستئثار.
المسألة ليست ادعاءات بالتمييز نتلقاها من دون دليل من المتضررين، وإنما هي شكاوى باتت متواترة إلى درجةٍ من الصعب اتفاق هذه الأعداد الكبيرة من المواطنين على الكذب والتلفيق. وهو تواتر يلقي مسئولية ثقيلة على كاهل الوزير لتصحيح الوضع، ولو فتح باب التحقيق البرلماني لكشف الكثير من المصائب، بما يصدم حتى أصحاب القرار.
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1798 - الأربعاء 08 أغسطس 2007م الموافق 24 رجب 1428هـ