العدد 1798 - الأربعاء 08 أغسطس 2007م الموافق 24 رجب 1428هـ

... وغاب البدر وهل من عودة؟

سكينة العكري comments [at] alwasatnews.com

مضى على غياب الطفل بدر ذي الأعوام الثلاثة قرابة الشهر وإلى الآن لا معلومات عنه ولا عن أسباب أو كيفية اختفائه فالظروف لاتزال إلى الآن غامضة والكثير منها مشوش وغير واضح، اللهم إلا من بضع معلومات لا يمكن الركون إليها، فلا معلومات تفيد ما الذي حصل له، ولايزال الشارع المتابع لاختفائه يصر على معرفة مصير الطفل بدر البدر الضائع.

الطفل بدر ابن قرية السماهيج لم يكن الطفل الأول الذي يختفي في ظروف غامضة كهذه فقد سبقتها طفلة أخرى من المحافظة نفسها (المحرق) قبل أكثر من خمس سنوات لم تستطع الذاكرة البحرينية بكل أنواعها أن تنساها أو تنسى شكلها، الطفلة فاطمة توفيق غابت طفلة صغيرة، والآن ربما أصبحت بالغة إذا كانت من بين الأحياء.

أمانة خفت - من اليوم الأول الذي تحدثت فيه الصحافة المحلية عن غيابه - من أنه لن يعود أبدا إلى أحضان أمه، فمنذ متى والغائب يعود إلى بيته من جديد؟ وطيف لنا أن نكون متفائلين وخصوصا مع التركيبة العجيبة الغريبة التي يتشكل منها المجتمع البحريني حاليا؟

ولكن لم أشأ أن أتكلم عن الموضوع حينها، وتأخرت قليلا للتريث، لربما التحريات القائمة تفيدنا بشيء إيجابي وخصوصا أن التحريات الرسمية والشعبية كانت بمستوى الحدث، لا يمكن انتقادها ولكن للأسف الشديد لم توصلنا إلى أحد خيوط الحقيقية بل إن التحريات تؤكد فداحة ما حصل فعلا للطفل بدر لأنه لا شواهدَ تؤكد وجوده ولا شواهدَ تؤكد اختفاءه سوى غيابه عن أبصار محبيه.

ولئلا أنغص أكثر على أسرته وأهله وأحبائه وأشعرهم بالإحباط فضلت عدم الحديث عن الموضوع حينها، كما وجدت من الواجب علينا أن نجدد الأمل معهم ولتظل شمعة البدر منيرة، ولكن كلما مر يوم تعقد المشهد وصعب تحليله وصعب معها وضع نهاية إيجابية، بل كلما مر يوم بات من حكم المؤكد صعوبة الحصول عليه وعودته إلى بيته، على قريته التي تشتاق إليه كثيرا، وخصوصا مع الوقفة الشعبية التي عمت جميع أرجاء البحرين وحملات البحث عنه الإعلامية منها والإنسانية، بدر الطفل الذي لن ينساها الكبار فضلا عن الأطفال فقد باتت قضيته مسيطرة على وجدان أطفالنا وأخذت منهم مأخذا. شخصيا، طفلي الذي لم يتجاوز عمره السنوات السبع لا يستطيع نسيانه بشكل يومي يأخذ الصحيفة ويبدأ التصفح فيها ويسألني هل وجدوا بدر؟

وعندما نكون خارج البيت ويجد صوره عمّت شوارع البحرين يسأل هل يا ترى سيجدون بدر؟ ويحاول هو الآخر أن يتصفح في وجوه الأطفال المارة عله يجد البدر من بينهم، وفي قراره نفسه يؤكد أن بدر سيرجع وأنه الاحتمال الأرجح أن يكون ضائع الطريق لكونه طفلا، وينفي وبشدة أن يكون مختطفا أو أن هناك جماعة تقوم على اختطاف الأطفال، لكونه أيضا طفلا ومن حقه أن يشعر بالأمان وعندما يفكر في تفكير جهنمي كهذا في أن هناك عصابة تختطف الأطفال من شأنه أن يؤثر أيضا على سلوكه، فإنه لن يسمح لنفسه أبدا أن يقف عند باب مدرسته ينتظر والديه ليأخذانه إلى البيت لذلك يسلي نفسه بالقول إنه ضائع الطريق.

في الأسابيع الماضية كنت خارج البحرين لأداء أعمال العمرة المفردة. صغيري الذي لم ولن ينسى بدر كان معي، وعندما كنا جالسين أمام ميزاب الرحمة قال لي: لا تنسي يا ماما أن تدعي لبدر أن يعود إلى أحضان أمه وإلى بيته بالسلامة، وعلى الفور تبسمت وقلت له بارك الله فيك أنك لم تنسَ بدر، قال لي: كيف أنساه وهو إلى الآن مفقود ولم يعد إلى بيته؟ كما سألني بعد ذلك: هل فعلا دعوتي له؟ للاطمئنان، وعندما سألته عن سبب إلحاحه في السؤال أجاب أن الدعاء عند بيت الله مستجاب وعندما تدعين له فهذا يعني أنه حتما سيعود إلى والدته التي تنتظره. طمأنته إلى أني فعلا دعوت له وأن الله سميع مجيب، وبدوري أجبته أن دعاء الطفل الصغير أيضا مستجاب وطلبت منه أن يدعو له بالعودة، كما طلبنا من الجميع الجالسين بالقرب منا أن يدعو للبدر أن يعود فالجميع مشتاقون لسماع أخبار جيدة عنه فلم يعد بدر ابن أمه التي فارقته. أصبح اليوم ابن الجميع والجميع سيفرح إذا عاد من جديد ونتمنى له أن يعود والعود أحمد.

نحمد الله كثيرا أن حادث ضياع بدر تم في العطلة الصيفية وأنه لم يحدث أثناء افتتاح المدارس أو في مطلع العام الدراسي الجديد لكان تأثير الحادث على نفسيات الأطفال الجدد كبيرا جدا وسلبيا للغاية، فلا أحد يستطيع انتزاع الخوف والقلق من نفوس أطفال صغار يتضامنون نفسيا مع مثل سنهم بشكل نفسي يصعب قراءته، وأزعم أنه لو حدث ذلك إبان افتتاح المدارس لكان تأثير ذلك كبيرا على نسبة التسرب في صفوفهم من شدة قلقهم وخوفهم على أنفسهم فضلا عن الحماية الزائدة لدى بعض الأهالي والأسر. أظن أن تداعيات اختفاء بدر ستستمر ما لم نسمع أخبارا تؤكد اختفاءه بأي شكل من الأشكال، وأعتقد أن الجهاز الأمني على رغم ما قام به من تحريات للبحث عنه، مدان لأنه إلى الآن لم يبيّن للرأي العام ظروف اختفائه فلم يعد من المنطق في شيء أن يختفي الأطفال هكذا واحدا تلو الآخر من دون معرفة الأسباب، ويُغلق الملف على تكهنات هنا وهناك ونحن في بلد الأمان وطن الكرام وأطفالنا لايزالون يرددون النشيد الوطني ومضامينه ومفاهيمه الوطنية، ويحتاجون إلى تفسير منطقي يناسب عقولهم.

فهل من عودة للبدر بعد اختفائه؟

إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"

العدد 1798 - الأربعاء 08 أغسطس 2007م الموافق 24 رجب 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً