العدد 1798 - الأربعاء 08 أغسطس 2007م الموافق 24 رجب 1428هـ

«نواصبستان» و «روافضستان»... حشرجة وطنية أخيرة؟

خالد المطوع comments [at] alwasatnews.com

لا أعرف على وجه التحديد والدقة كم يلزم من إثارة لقضايا جانبية وتنقيب عن رواسبَ جدلية تاريخية عالية ظلت بلا تسوية أو حل حاسم ليتورط فيها رجال السلطة التشريعية ويتم من خلالها حرف البرلمان عن سكة تناول القضايا الوطنية المتراكمة على عتبات الطريق وتداولها؟

فكم سيلزم هذا البرلمان للارتداد والارتجاع مئات السنوات إلى الوراء ليفصل في «وقعة الجمل» والخلاف على الخلافة الإسلامية عسى أن يعيد الأمور إلى نصابها؟

هل سينجح أعضاء الكتل النيابية الجهابذة في استئصال شأفة الخلاف السياسي التاريخي؟

هل كنا أصلا ننتظر من برلماننا الفصل بين معارك «الأصالة» و «المعاصرة» والعلمانية والإسلام والدين والدنيا، التقليد والتجديد، العقل والنقل، وترسيم مخاطر «الصفويين» و «التكفيريين» و «الملحدين»؟

هل انتخبت جموع الناس الغارقة غالبيتها في أوحال الفقر المعيشي والسياسي الآلي مفتشين على الإبداع والثقافة والفنون، ومفتشين في بطون الخلافات التاريخية السياسية قبل أن يكونوا مفتشين على أرزاقهم وأحوالهم المعاشة؟

أسئلة ربما كان متوقعا لها أن تطرح أصلا في تركيبة برلمانية طائفية حاشدة كهذه، وهي تركيبة ذات غلبة «إسلامية - سياسية» تتيح لها أن تجد الحفاوة وسط الإلهاء والإثارة السياسية المتعمدة بشكل أكبر مما عاصرناه في برلمان 2002 مع شيء من الرعونة السياسية التي وجدت لها متنفسا في فضاء المنتديات الإلكترونية التي ربما أجزم أن بكل ما فيها من تصعيدات طائفية خطيرة ومتاهات تنكرية سياسية مشبوه فيها، ولابد من اعتبار لحسابها أصبحت تسيّر هذا البرلمان وتحركه! ولكأنما الناس نست قضايا الأراضي والتوزيع العادل للثروة والإسكان وتحسين المستوى المعيشي للشعب ولوثة التجنيس السياسية، وانشغلت بأمور أكثر أهمية ومصيرية كصلاة الشيخ علي سلمان خلف النائب السعيدي، هل هي جائزة شرعا؟ وما حكمها؟

وما يفترض أن يتلوها من تصعيدات طائفية معتادة من كلا الجانبين بدلا من التفكير في حل عملي وعاجل لسد فراغات السلطة التشريعية، والتخلص مما يواجه السلطة والصلاحية التشريعية من عوائقَ وتحديات ملموسة لتلبية أبسط الطموحات الشعبية من المشاركة في هذه العملية السياسية والاحتكام بمفاتيحها وقنواتها التشريعية!

فأيا كان مقصد النائب الشيخ حمزة الديري مما ورد على لسانه من تعليق على الصلاة خلف النائب جاسم السعيدي، فقد ألقي هذا الطعم برائحته النفاذة ثلاثة مسميات قابلة للاشتعال بسرعة قياسية كـ «ناصبي، خامنئي، الخميني، أئمة الحرم» في محيط ووسط مكهرب طائفيا حد الصعق الذي تختلط فيه الشحنات بمصادرها المتعددة!

هؤلاء النواب المحسوبون في غالبيتهم الساحقة على تيارات «الإسلام السياسي» أثبتت أبرز أيقوناتهم - سواء أكانت نضالية أم إلهائية معتادة في الجانب الموالي الآخر - جدارة لا تقاوم ولا تقبل التحدي أبدا في أن تصبح دمى وألعاب سياسية تتلاقى بسهولة ويسر مع أجندة من لا يريد لهذا الشعب خيرا، ومع الساعين إلى مراكمة تلك القضايا وحماية ملفاتها المأزومة من الخضوع للكشف والفتح والنقد لئلا تكون قابلة للمداولة الحقيقية والجادة بين النواب أنفسهم مهما اختلفت انتماءاتهم وتصانيفهم السياسية!

يعلم الله وحده متي سيحين لهذه الأزمة الجانبية المثارة حاليا والتي وإن كانت متوقعة بمعرفة ووعي مسبق بنوعية الأطراف الداخلة في التركيبة البرلمانية إلا أنها أتت في غير وقتها ومن دون المسئولية الاجتماعية والحنكة السياسية من قبل الطرف الممثل للمعارضة، الذي نعول عليه في برلماننا هذا، فمتى سيتسنى لهذه الإثارة الجانبية الوامضة أن تنقضي وتولّي إلى غير رجعة وخصوصا أن لنواب الريموت كونترول والإلهاء والإثارة السياسية نصيبا منها يماثل دور «الضحية» وهو بلا شك ما سيضر كثيرا بالنائب وكتلته التي ظهرت في محل «الجاني» إعلاميا، وهو ما سيعمق من الاضطرابات الشعبية ويضيق آفاق الاستقرار الوطني وربما يعطل حتى يعوق بروز تسوية سياسية معقولة بين الأطراف المختلفة، أو بالأحرى بين البيادق السلطوية والخنادق الشعبية، وكلا الطرفين تيسر لهما أن يكونا مرسومين ومختومين بشمع طائفي أحمر!

وإذا ما تعدت وتجاوزت هذه الإثارة والإلهاء حدودها القصوى حينما تجد لها في الرعونة والسذاجة السياسية في الطرف البرلماني المعارض شريكا طيب المعشر، فإنه ينبغي للكتلة البرلمانية الأكبر التي شاءت لها الأقدار الربانية والأقدار السلطوية المصطنعة أن تكون ممثلا طائفيا وحيدا لكل فئات المعارضة الإصلاحية الوطنية في هذا البلد وتشكيلاتها، ينبغي أن تكون الكتلة الأكبر في أزهى تألقها السياسي وارتقائها بحسها الاجتماعي الوطني المسئول كالإسفنجة الأكبر التي تمتص جميع أشكال التأزم السياسي الطائفي الواردة في الحسبان، والتي بلا شك سيعمل على استغلالها أعداء الشعب البحريني بما يتميزون ويتظاهرون به من سيماء حنو ورعاية للمستضعفين في هذه الأرض لا تخفي أغلالا وأحقادا وهواجسَ تقسيمية طائفية وقبلية مرضية بوسعها إذابة جبل الدخان ذاته لو أريد لها أن تفور وتتفجر!

وإن كنت أرى بصراحة موضوعية في مفردة «ناصبي» و «نواصب» اصطلاحا سياسيا باستخدام واهم في وقتنا الحاضر هذا إن لم يكن يفتقد الواقعية أساسا، فهل يوجد أصلا مسلم عاقل ومكتمل على أرض البسيطة يناصب آل البيت الأطهار (رضوان الله عليهم) صنوف العداء؟

هل هذا ممكن خضوعا لمعايير البحث والدراسة والتأويل الجادة لا التلقي والتلقين الشفهي؟ كما أرى أن مجرد استخدام مفردة طائفية مضادة كـ «روافض» لكفيل وحده بنسف أية فرصة للتلاقي والتقريب المذهبي، وهو ما يوفر الحجة والغطاء على المنادين بتأبيد المظلوميات المتبادلة واستمرارية صناعة العداوة والخصومة الهرمجودنية المصيرية التي إما أن تنتصر فيها البيادق البيضاء وإما السوداء ولا ثالث بينهما!

بلا شك ينبغي على منظمات المجتمع المدني في مواجهة هذه التداعيات المأسوية وهذا التأزيم الطائفي المستمر والإلهاء السياسي الساعي إلى إشغال الأنظار عن القضايا الوطنية الكبرى، وخصوصا أقطاب «التيار الوطني الديمقراطي» أن تجد في البحث عن صيغة حلولية وطنية بديلة تنفع للتعاطي مع الملفات والقضايا الوطنية الكبرى والتعاون مع العناصر الوطنية البرلمانية في ذلك على أمل تلافي وقوع أكبر الضرر من سوداوية الواقع الحالي الذي يحتم فيه الانشطار الطائفي المصطنع قواعد التحرك والحراك السياسي الداخلي!

وعلى رغم أصفاد قانون الجمعيات السياسية وأغلاله، والذي تصبح فيه بعض الجمعيات السياسية كمزارع للدواجن فإن تفعيل خطة للتحرك والانتشار الشعبي والنهوض المدني السلمي لفتح الملفات والقضايا ورفع المطالب الجماهيرية ولو رمزيا سيكون أجدى نفعا بكثير من الاصطدام غير مرة بحواجز الأبيض والأسود وواقع الآكل والمأكول في واقعنا البرلماني الحالي، وفي مثل هذا الصدد نذكّر ونشيد بما تقوم به جمعية العمل الوطني الديمقراطي (وعد) من ندوات جداة تستعرض الملفات الساخنة وتسلط الضوء على مكامن الفسادين الإداري والمالي، وهو ما قد يخفف من سوداوية بازار برلماني توجد فيه «روافضستان» و «نواصبستان» بينهما برزخ سلطوي لا تلتقيان!

وليسمح لي القراء بحشرجة حلمية وطنية أخيرة أبدي فيها آمالي وتمنياتي في أن يتخلى أبناء شعبنا من متداولي ومروجي مفردتي «نواصب» و «روافض» عن مضمراتها السياسية الطائفية الخطيرة، وتنقلب على جذورها التاريخية عسى أن تتضمن معاني بفضاء أكثر رحابة وطنية تصبح من خلاله مفردة «نواصب» دلالة مسيئة لمن ناصب المصلحة الوطنية العامة العداء على حين تكون «روافض» نعتا معيبا لمن يرفض الحلول والتسويات الوطنية الجامعة بشأن القضايا والأزمات الوطنية!

هل ذلك ممكن في هذا البرلمان إذا ما خرج كل طرف عن «بيدقته» وإلهائه وإثارته وتحلى بالصمت بديلا عن الرعونة، وهذا أمر مستحيل؟ فليكن على الأقل أن يستوعب كل منهم سيناريو اللعبة مبدئيا قبل أن يمارس دوره ويزاول عمله من خلال قوانينها الطارئة ومنعطفاتها الهدامة!

إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"

العدد 1798 - الأربعاء 08 أغسطس 2007م الموافق 24 رجب 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً