يذكر عدد من الكتّاب مقولة يرجعونها إلى فيلسوف الصين كونفشيوس عندما سأله أحد تلامذته عن المستلزمات الأساسية لشرعية «السلطة»، وكان جواب الفيلسوف (قبل 25 قرنا) هو: أن على السلطة - ولكي تكون مشروعة - أن توفر أولا «لقمة العيش» للناس، وثانيا عليها أن تمتلك قدرات عسكرية لحفظ أمن الناس، وثالثا عليها أن تحصل على ثقة الناس. وعندما سأله التلميذ: ماذا لو كان على السلطة أن تتخلى عن واحدة من تلك المستلزمات؟ فأجاب: في هذه الحال تتخلى السلطة عن القدرة العسكرية، لأن الناس لاتستطيع ان تعيش من دون لقمة العيش. ولكن التلميذ عاد وسأل: ماذا لو كان عليها أن تتخلى عن شرطين من الثلاثة؟ فقال كونفشيوس: في هذه الحال فإن الأهون على السلطة أن تتخلى عن القدرة العسكرية وعن توفير لقمة العيش، وأن تحافظ على ثقة الناس فيها... ذلك لأن انعدام ثقة الناس يعني انعدام مفهوم السلطة من الأساس.
ليس مستغربا أن النظم الديمقراطية تتطلب أن تحصل فيها الحكومات على ثقة ممثلي الشعب المنتخبين كشرط أساس لممارسة مهمات السلطة، ويعتبر سحب الثقة من أحد المسئولين هي النهاية الفعلية لسلطة ذلك المسئول.
أما إذا كانت تلك السلطة تمارس عملها من دون الحصول على ثقة الهيئة المنتخبة فإنها تكون قد انتقلت من نمط «الحكم الديمقراطي الصالح» إلى نمط «الحكم الدكتاتوري المطلق». وهناك أنظمة تعيش في «حال انتقالية» بين الدكتاتورية والديمقراطية، ولذلك فإنها تحتاج إلى فترة تتدرج فيها نحو حكم صالح حاصل على ثقة الناس عبر عملية سياسية متفق عليها.
البعض يطرح بأننا شعوب مازالت غير قادرة على ممارسة دورها بمسئولية، ولذا فان ماينطبق على الصين قبل 25 قرنا، وماينطبق على كل الدول المتقدمة في عصرنا الحالي لاينطبق علينا. ولكن مثل هذا الحديث سمعناه عندما كنا صغارا، وكبرنا ووصل بعضنا إلى سن التقاعد، و الحديث لم يتغير... إذ مازلنا شعوبا «غير مؤهلة سياسيا». الغريب في الأمر أن هناك بلدانا فقيرة وشعوبها أقل تعليما وأقل صحة وتعيش في وسط الصحارى والأدغال الإفريقية، مثلا، ولكنها انتقلت إلى مرحلة متقدمة في العملية السياسية، بينما مازلنا نحن دون مستوى كل البشر. والغريب أيضا، أن البعض يبرر حديثه بأن ثقافتنا العربية - الإسلامية لا يمكنها أن تقبل بمثل هذه الأمور، وكأنه يقول إن ديننا وتراثنا وتاريخنا ومبادئنا وغاياتنا جميعها «متخلفة» وغير قابلة للصعود إلى مستوى البشر الآخرين.
إن العملية السياسية أساسها الثقة، هذا ما قاله كونفشيوس قبل 25 قرنا، وهو ما تقوله كل تجارب البشر، ونحن لازلنا من البشر.
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 1798 - الأربعاء 08 أغسطس 2007م الموافق 24 رجب 1428هـ