عندما ذهب الناس إلى صناديق الاقتراع لانتخاب النواب في نوفمبر/تشرين الثاني 2006، لم يذهبوا بهذه الكثافة من أجل أن يواصل النواب الجدد الحروب الكارتونية التي بدأها أسلافهم في البرلمان السابق.
ذهب الجميع وفي ذاكرتهم تلك المشاهد المقزّزة، للملاسنات والمشاحنات الطائفية بين بعض النواب السابقين، التي توّجت بتبادل اللكمات، حتى تحوّل البرلمان من بيت جامع للشعب والدفاع عن مصالحه، إلى بؤرةٍ لتصدير الاحتقان للشارع. وعلى رغم تشاؤم الكثيرين من تركيبة البرلمان الجديد، إلاّ أننا استبشرنا خيرا لأداء «الوفاق» التي سعت للتقارب مع الكتل الأخرى، عل أساس أنه إن لم ينجح الجميع في تحقيق شيء للمواطن، فعلى الأقل أن يبتعدوا عن مسببات الاحتقان. ولذلك حبسنا أنفاسنا حتى انتهاء دور الانعقاد الأول، وذهاب النواب في البيات الصيفي الطويل.
المفاجأة أن ما كنا نخشاه من فلتات النواب في فترة «الدوام الرسمي»، كان ينتظرنا في فترة «الإجازة الرسمية»، وكأنهم يقولون «وراءكم... وراءكم»!
لن نتحدث عن ضعف أداء النواب، ولا تذبذب مواقفهم ولا تناقضاتهم، حتى ضمن الكتلة الواحدة، ولكن على الأقل من حقنا أن نطالبهم بأن يكونوا على مستوى من المسئولية الوطنية والقومية والدينية، في فترة يعرف الجميع تفاصيل المخطط الأميركي لتعميم «الفوضى الخلاقة»، وتأجيج الفتن وشغل الشعوب العربية والإسلامية بقتال بعضهم بعضا.
إن من أوجب واجبات النواب، إن لم يستطيعوا أن يكونوا نوابا حقيقيين للشعب، فلا أقل من ألاّ يكونوا متطوعين مجانا لخدمة مشروعات التفتيت، وبث الضغائن والأحقاد. ابلعوا ألسنتكم واكفونا شرور خلافاتكم، ففي الوقت الذي لا يقبل أي شيعي أن تسميه رافضيا أو صفويا، فإن السني لا يقبل أن تسميه ناصبيا أو أمويا. مثل هذه المماحكات مرفوضة، ولن يقتصر ضررها على الأفراد وإنما خطورتها أنها تحقن الشارع بالكراهية والبغضاء. والخطأ يظل خطأ، سواء جاء جوابا على سؤالٍ بموقع الكتروني عن حادثةٍ عارضةٍ لا تستحق كل هذه الإثارة والاستنفار، أو الدعاء على طائفة كاملة بيوم أسود أسوة باليهود والنصارى على منبر صلاة الجمعة.
لقد أصبح الناس في بلاد الله المحترمة يستيقظون على ما سيقدّمونه من علم نافع وإنتاج جديد للبشر، وأصبحنا نستيقظ في هذه المنطقة الموبوءة على هاجس من أين ستأتي الفتنة الجديدة، مرة من كاتب في الخارج، ومرات من كتّاب في الداخل، وهذه المرة على أيدي النواب الأفاضل، الذين لم يجدوا ما يتلهون به في إجازتهم الطويلة غير التنابز والتراشق بهذه الألقاب الجميلة، من «نواصب» و«روافض»!
قد نلوم الصحافي الذي حاول أن يسجّل هذا «السبق الصحافي الرخيص»، الذي خانته الحصافة فأشعل مثل هذه الفتنة النائمة، خصوصا لاعتماده مصدرا «الكترونيا»، ولو انتهجت الصحافة هذا النهج في تتبع السقطات والفلتات والمهاترات الطائفية في المواقع الالكترونية المنتشرة بالآلاف، لخاض المسلمون من ساعتهم في دماء بعضهم بعضا. وما أسوأ مثل هذا السبق الصحافي، واختلال المقاييس الصحافية رغم رفع شعار النزاهة، دون حسن تقديرٍ للعواقب... كأن الأمة لا يكفيها ما بها من محن، ومصائب وفتن، حتى تعتاش على تصيّد فلتات الألسنة.
يا أصحاب السعادة:لا ننتظر منكم اجتراح المعجزات، أو إلباسنا الحرير والديباج، لكن نرجوكم أن تتحكموا في ألسنتكم، فكلكم خطباء لا يشق لكم غبار، ولعلكم تذكرون ما قاله الرسول (ص) لمعاذ: «ثكلتك أمك يا معاذ... وهل يكب الناس على مناخرهم في النار إلاّ حصائد ألسنتهم»... فاكفوا هذا الشعب الكادح شر فلتات ألسنتكم ... يرحمكم الله.
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1797 - الثلثاء 07 أغسطس 2007م الموافق 23 رجب 1428هـ