إحدى المشكلات التي نعيش آثارها السلبية بصورة يومية هي مشكلة التمييز الطائفي، وهي مشكلة تزداد تعمقا بسبب ما يجري في العراق. كانت المشكلة قد تفاقمت قبل مئة عام، ودخلت البحرين في عدة مخاضات نتج عنها الشروع في إصلاحات إدارية العام 1923. وكان من بين تلك الإصلاحات إنهاء أعمال السخرة والضرائب المجحفة التي كانت تفرض على شيعة القرى فقط (البحارنة)، كما تم وضع حد (آنذاك) للتجاوز على الأراضي وأملاك الناس... ثم دخلت البحرين مرحلة التعليم الحديث بشكل أوسع وانتهت مهنة الغوص وانتقل الناس إلى العمل في شركة النفط وانطلقت أولى الحركات الوطنية في 1938، وتبعتها حركات أخرى تكللت في 1954 - 1956 في حركة «هيئة الاتحاد الوطني».
ما بين 1956 و1971 مرت البحرين بفترة انتقالية، ثم مررنا بمرحلة استقلال البحرين العام 1971، ومررنا با لتجربة البرلمانية الأولى حتى نهايتها العام 1975... وفي هذه الفترة (مطلع السبعينات) لم تكن حالات التمييز الطائفي بالشكل المعمول به حاليا. ولكن منذ مطلع الثمانينات بدأت مرحلة جديدة اعتبر فيها شيعة البحرين خطرا على أمن الدولة، من دون تفريق بين الناشط السياسي والموالي للنظام، واستمر هذا الوضع حتى أيامنا الجارية.
التمييز الطائفي لم يعد مقصورا على منع الشيعة من الالتحاق بالسلك العسكري (الذي أصبح من المحرمات الكبرى على الشيعة)، وإنما أصبح الآن منتشرا. وكما يقول المثل الشعبي «محسود الفقير على موتة الجمعة»، فقد أصبح الشيعي محسودا إذا توظف في إدارات «خدمية» كان يتوظف فيها سابقا من دون عقبات. ومن الأمور المؤسفة أنه حتى بعض الأشغال كانت ستلغى لأن الذين يتقدمون إليها فقط من الشيعة، مثل العمل في شركات الحراسة الخاصة... وقد تطلب الأمر جهودا حثيثة لإقناع المعنيين بالأمر بضرورة فسح المجال لتوظيف الشباب من أية فئة مجتمعية وإلا فإن الخيار هو مزيد من البطالة.
إن الشيعة يواجهون التمييز في وطنهم الذي ضحوا من أجل استقلاله مع إخوانهم السنة ، من دون ذنب اقترفوه. وهذا أمر لم يعد مقبولا أو قابلا للتبرير في مطلع القرن الحادي والعشرين. فالشيعي أخ وعضد وحامٍ للسني، والعكس صحيح... وهو مايفخر به تاريخنا المليء بالأمثلة المضيئة للتضامن المجتمعي.
وعليه، فإن ما نطرحه بديلا عمليا للتمييز الطائفي هو التوازن المجتمعي الذي يأخذ في الاعتبار المحذورات والمخاطر الأمنية - السياسية التي قد تكون موجودة، ولكن يمكن معالجتها بوسائل أفضل تحقق العدالة بين فئات المجتمع وتعزز أمن الدولة. وهناك تجارب كثيرة في تحقيق التوازن المجتمعي كما هو الحال في بلجيكا التي يتكون مجتمعها من شعبين مختلفين حتى في اللغة التي يتحدثونها، فضلا عن سويسرا التي لا نطمح أبدا في الوصول إلى مستواها لأنها أنموذج فريد من نوعه. وهناك شمال إيرلندا التي استطاعت خلال السنوات الماضية الخروج من مصائب التمييز الطائفي من خلال اتباع برامج التوازن المجتمعي. الهند أيضا لديها مشكلة سياسية كبيرة مع باكستان (البلد الذي فصل المسلمين الهنود عن الهند)، ومع ذلك فإن عددا غير قليل من قيادات الجيش الهندي من المسلمين... فكيف لا نستطيع ان نتشارك العيش في كل مجال في البحرين، إذ يملك شعبنا مقومات الأخوّة والتآزر واللغة الواحدة والانتماء الحضاري الواحد والمصير الواحد؟
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 1797 - الثلثاء 07 أغسطس 2007م الموافق 23 رجب 1428هـ