العدد 1795 - الأحد 05 أغسطس 2007م الموافق 21 رجب 1428هـ

طَعَامُ الفَرْدِ يَكْفِي للجَمَاعَة

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

صيّرت المساعي السياسية والاستخباراتية الأميركية نقطة ارتكاز جديدة في المنطقة أشاعت نَفَسَا عدائيا «عروبيا / طائفيا» تجاه الجمهورية الإسلامية الإيرانية منذ سقوط حركة طالبان في العام 2001 مُوَظِفَة ما آلت إليه أوضاع العراق بعد الاحتلال في أبريل/ نيسان 2003 لإذكاء تلك الدفوع المتمازجة ما بين القومية الشوفينية والدينية الطائفية، وهو ما أدّى إلى تغيير عمودي في سُلّم الأولويات لدول الإقليم، وإلى تخفيف الضغوط على الكيان الصهيوني الذي كان متورطا في معادلة صراع رمادية تُميّعها عمليات التسوية منذ مؤتمر مدريد في العام 1991 وتُلهبها جبهة الجنوب اللبناني والداخل الفلسطيني من خلال المنظمات المُسلحة من دون حلّ نهائي وحاسم، إلاّ أن ما زاد من خطورة تلك المعادلة الأميركية الجديدة هو التبدل الدراماتيكي في تصويب العداء التاريخي من تل أبيب إلى طهران بشكل جِدّي وعلني إلى الحد الذي باتت فيه ظروف الصراع داخل المحيط العربي لا تحتمل أي ترتيب تكون إيران طرفا في بُنيته التكتيكية أو الاستراتيجية بما في ذلك التحالف السوري الإيراني القائم منذ انتصار الثورة الإسلامية في فبراير/ شباط من العام 1979 ولغاية اليوم، والأغرب أن تلك اللوثة تمادت في توصيف الأمور بالنقائض والمُكابرة عبر استهجان ورفض أي دعم إيراني لقطر عربي أو لجبهة ممانعة ضد الكيان الصهيوني، أو حتى لحلحلة مشكلات اقتصادية بحتة يتم التحايل على تسويتها بشكل لافت، فشُكِّك بمقاومة حزب الله في جنوب لبنان خلال حرب يوليو/ تموز 2006 وما قبلها فقط لأنه يتلقّى دعما من إيران ووُسِم على أنه ضمن المحور السوري الإيراني في قِبال المحاور العربية الأخرى، وتمّ توبيخ حكومة حماس لأنها تسلّمت أموالا إيرانية بعد الحصار الدولي عليها عقب فوزها في الانتخابات التشريعية في أبريل من العام 2006 وتشكيلها للحكومة! ولأن هذه النّفَس قد بُني مِدماكه على شعار التآمر الإيراني على العراق ومهادنة المحتل وتقاسم النفوذ معه، فإن المشروع البديل لهذا التيار الطارئ هو تشكيل جبهة مقاومة للجيش الأميركي في العراق ورعايتها ودعمها سياسيا ولوجستيا عبر الاحتماء بالعمق العربي الذي هو في الأساس حليف رئيسي للولايات المتحدة الأميركية منذ عقود سحيقة!، لكن هذا التيار الطارئ وعلى رغم دعوته لمقاومة المحتل يرفض في الوقت نفسه الوقائع التي تشير إلى تلقي عناصر وجماعات عراقية مختلفة لدورات تدريبية في مدينتي إيلام (المحاذية لمحافظة واسط العراقية) وكرمنشاه الإيرانيتين على كيفية استخدام العبوات المضادة للدروع ونقاط الضعف في التسلح الأميركي، ويرفضون ما قاله المتحدث باسم القوات الأميركيةالميجور جنرال ويليام كالدويل في العراق نهاية مايو/ أيار الماضي لشبكة سي إن إن الإخبارية بأن قوات القدس التابعة للحرس الثوري الإيراني متورطة في الهجمات على القوات الأميركية، وما أعلنه قبل ذلك في فبراير الماضي من أن العبوات الإيرانية الصنع قتلت 170 جنديا أميركيا ومن قوات التحالف منذ يونيو/ حزيران 2004 وأصابت 620 آخرين بجروح.

يرفض ذلك التيار الطارئ كل ذلك من إيران فقط لأنه يعيش ضمن دائرة الشك المطلقة خوفا من المطامع «الفارسية» تجاه دول وشعوب المنطقة، وفي الوقت الذي يُندد فيه هذا التيار الطارئ بالحوار الإيراني الأميركي بشأن العراق بظروفه المعقّدة ويعتبره تآمرا وغيلة على «الأمة وخياراتها ومصالحها» إلاّ أنه لا يُمانع من إجراء مصر لمباحثات مع الكيان الصهيوني بشأن الضفة الغربية وقطاع غزة، بل ويعتبر ذلك رعاية لمصالح الشعب الفلسطيني، بل إن وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط يُصرّح قبل أيام من باريس بأنه يرصد «محاولة إيران تجميع بعض الأوراق للتأثير على الأوضاع الغربية في المنطقة (ويرى) أن هذه الأوراق في مجملها عربية ويطالب بعدم تجميع إيران هذه الأوراق، لأن استمرار محاولة اللعب بها سيكون له تأثيرات سلبية على الأوضاع العربية» لكنه يُعقّب على دعوة الرئيس جورج بوش إلى مؤتمر في الخريف المقبل لحل المشكلة الفلسطينية - الإسرائيلية بأن «هناك استعداد عربي للمشاركة في هذا الاجتماع المقترح، وأن نتيح (حسب كلام أبو الغيط) فرصة المشاركة لكل القوى ذات التأثير، سواء داخل منطقة الشرق الأوسط أو خارجها» وأنه تلقّى «أثناء اجتماع شرم الشيخ تأكيدات واضحة من وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس بأن الولايات المتحدة ستسعى بجدية لتحقيق هذه النقاط، وكان واضحا أن الولايات المتحدة ترغب في تأمين أكبر قدر من الاستقرار لمنطقة الخليج»! وأيضا في الوقت الذي تقف طهران مع أرجل الطاولة السورية الأربع: الترتيبات الأمنية، عناصر السلام، الجدول الزمني للانسحاب والمياه الخاصة بالسلام السوري الصهيوني مع تلازم الموقف الإيراني بمفاعيل ميدانية واضحة تعترف بها القيادة السورية وتتمسّك بها، تُصرّ تلك الجهات الطارئة على إخراج هذا الموقف من محتواه وتخوينه بما يشبه الضحك على الذقون، بل وتزيد عليه بلوم السوريين على ذلك التحالف ودعوتهم جهارا بضرورة الخروج من مخالب السياسة الإيرانية التي يرونها غولا باتت دمشق رهينة له، في حين تراه الأخيرة جزءا من التوازن الاستراتيجي لها في علاقاتها الخارجية وفي صراعها مع تل أبيب بشأن الجولان منذ خروج القاهرة من توازن الصراع العربي الصهيوني بعد اتفاق كامب ديفيد.

وهنا يُمكن تفكيك تلك الحالة الشاذة عبر تفويض أمرها لفقه السؤال عن مدى صوابية هذا المنهج الذي التأمت على حواشيه فُسيفساء غير متجانسة من القوى التي يجمعها فقط العداء «التاريخي» لإيران، فما الذي يجمع بعض القوميين بالإسلاميين، أو البعثيين ببعض اليسار، أو اليمينيين بالليبراليين؟! بل إن هذا الاصطفاف لم يكن مُجمع عليه من مُدخلية أوسع من القطر، فالمواقف القومية في مصر تتمايز عن تلك الموجودة في الأردن، ومواقف إسلاميي لبنان تتمايز هي الأخرى عن تلك الموجودة في الخليج وهو ما يعني تهلهل الجبهة الدافعة نحو استعداء إيران لارتهانها بسياسات بعثية منهارة ودينية موتورة ومتعصّبة، بل إن تفكيك الحالة سيُفضي حتما براياتها إلى حيث الضد الآيدولوجي لذات الجبهة المحشورة من دون وعي في صراع أشمل وأوسع يُدار من وراء المحيطات، أضف إلى ذلك فإن هذا الإيغال في هذا الماخور الشوفيني سيعني التمكين لجنون قومي وديني متطرف سيجعل البلاد والعباد أمام تجربة مُرّة دون أن يُدرك عرّابوا هذا الخيار المنفلت خطورته وهول مآله، كما أنهم سيجدون أنفسهم حتما في معركة «تحويل المسار» الأميركية من دون أن يُدركوا ذلك، وبالتالي فإن عليهم أن يدفعوا ثمن الهزيمة لأن الانتصار في هذه المعركة مُحال، فالخراب سيطال الجميع والنكسة الثانية من نصيب القاتل والمقتول، وإذا أراد هؤلاء التناجز بالأرقام والأحجام فعليهم أن يُدركوا أن إيران في المنطقة هي الأقدر على صوغ المعادلة الأعقد، وهي التي تملك المعابر البرية والحدود المترامية والقدرة على غلق منفذ الخليج الذي تمر منه ثروات المنطقة الثقيلة، وظهرها للصين وعينها على تركيا وآسيا الوسطى وتحت قاعها باكستان وأفغانستان وأمامها إطلالة ضخمة على مياه الخليج، وفي جوفها كتلة بشرية تتجاوز السبعين مليون ولديها الطاقة النووية والأحفورية والمياه العذبة من نهر قارون وهلمند والزاب الصغير وسيروان وشط العرب في حين تبقى المنطقة العربية في الأقليم تُهددها مشكلات الأمن والمياه والطاقة البديلة.

لا أقول أنا هذا الكلام ادعاء بل سايمون هيرش هـو من يتحدث عن سياسة «تحويل المسار» وعن إجهاد إيران «الشيعية» والأصولية «السُنّية» عبر حرب ضـروس تهلكهما معا، وأن «استقرارا أكبر في (الكيان الصهيوني) وفلسطين سيحرم إيران مـن نفـوذها في المنطقة» وبالتالي فإن التجييش والتحريض ليس في صالح القوي فضلا عن الضعيف، والحكمة في هذه الظروف أجدى.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 1795 - الأحد 05 أغسطس 2007م الموافق 21 رجب 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً