اليوم تحل علينا الذكرى الثالثة لرحيل صوت الحق والناطق غير الرسمي باسمه وهو المناضل الوطني الكبير عبدالله فخرو والد جميع البحرينيين الكادحين والمساكين، فهو شيخنا المسكين الذي تحمل بكيانه البدني المتهالك حينها حمل جميع أعباء كلمة الحق التي عجزت عن الاكتفاء بحملها أجساد ومفاصل الطغاة والجلادين وعتاة الجلاوزة، ومازالت تعجز عن التكلف والتكفل بعناء وشقاء حملها أمم ودول وأساطيل وأساطين فهلكت وأهلكت جراء ذلك على رغم كون هذه الكلمة البيضاء الوادعة والبريئة أخف من قشرة الظل، وأقرب إلى الإنسان من حبل الوريد!
رحل عنا فقيدنا الغالي بوجهه السموح الصبوح بعد أن دفع غاليا ضريبة كلمة الحق بدءا من عذابات السجون التي لم تشفع له عندها تقدم سنه وتهالك صحته، فلقد دفع جميع أثمان كلمة الحق كاملة من عرق جبينه ومن صحته وعافيته من دون أن يتكبد عناء الدين والسلفة وذل القروض بفوائدها الخيالية التي أهلكت بفيضها اللامتناهي البحرينيين، واقتصت الكثير من صحتهم النفسية والبدنية ومن مواطنتهم ذاتها!
هذا الروح والريح والريحان كان حاله في بلادنا كحال الكثير من المصلحين والدعاة والأنبياء والمرسلين حينما ذاقوا جميعا من صبابة الشقاء والعذاب من أيدي بني قومهم وجلدتهم قبل غيرهم من أقوام، فنال من الكثير من تنابلة السلطان من تنابلة الدنيا وتنابلة الدين ضروب الإساءة والشقاء التي لم يكن ليصبر عليها غيره!
اتهمه أعداؤه وخصومه بالمس والجنون، قالوا عنه إنه مجنون ويعاني من مرض نفسي، فكان لديهم مجنونا للحق والحقيقة التي عجزت عن قولها واستيعابها أفواههم وعقولهم المسبحة بحمد السحت والفتات، في حين أنهم غفلوا أو ربما أقفلوا وامتنعوا خيفة عن ذكر مجانين المال والتراب، ومهابيل الاستملاك لكل شيء في هذا الزمان الرديء، وكأنما أصحاب الحق ودعاة الحقيقة والآمرين بمعروف الوطن والمواطنة والناهين عن منكر السلطة والتسلط على عباد الله صالحيهم وطالحيهم وحدهم المحرزين لشرف الجن وفضيلة الجنون إذا ما كان سلطان العقل في عصرنا رذيلة!
ترى ماذا كان سيقول الوجيه المناضل الفقيد للوطن القعيد لو أطال الله في عمره وظل وجوده الحي ناطقا بيننا بالحق والصراحة التي يتهرب منها الكثير؟! ماذا كان سيقول عن جرائم التمييز الطائفي الفاحشة والحاصلة في بلادنا؟! كيف كان سيتحدث عن تطبيق استراتيجيات التشطير العمودي للمجتمع البحريني؟! كيف كان سيؤدب وسيهذب بقوله الصادح في المجالس وفي مقبرة المحرق أشباه «المحافظين الجدد» فرع البحرين، وهم الذين لا ينفكون عن استيراد الجنون والمجون الطائفي من محارقه في العراق ولبنان؟! ماذا كان سيقول عن مكائن ومكامن التطييف في لب القضايا والمسائل الوطنية وهي تتجهز لأدنى إخصاب ورواء؟! عمن يلجأون للاستقواء بالخارج الإمبريالي على حساب الوطن والمواطنين؟!
كيف كان سيتعامل مع هذيان «النشطاء السياسيون» في بلدنا وهم الذين يبذرون الفتن والاحترابات الأهلية في المجالس والمحابس والمدارس؟!
كيف كان سيتحدث عن أبناء الطبقة الكالحة الجديدة في وطن الكادحين ممن يصعدون بأحلام الدنيا وأرصدة الآخرة على ظهور المواطنين باسم الإسلام والإسلام منهم براء؟!
ماذا كان ليقول عن سراق ومختطفي الحصاد النضالي الوطني؟! عن النائب المليونير والناخب «المديونير»؟! عن تصفية أراضي وسواحل البلاد؟! عن سوء توزيع الثروات؟! عن الظالمين والمظلومين قدامى وجدد والقائمة في ازدياد؟!
يذكر عن الفقيد حربه الضروس وهجومه اللاذع على بيع المشروبات الكحولية في بلد ينتمي إلى الحضن والمنظومة الإسلامية، فكيف سيتحدث فقيدنا لو كان بيننا عن دس الكحول السياسي في شهد الدين والتدين الطائفي، إذ نحصل حينها على مشروب مهلك ومدمر ومخدر بأشواط عن «الويسكي» و«البراندي» و«الواين» حينما تضيع حقوق المواطنين، وتصفى قضاياه الوطنية بأنياب ومخالب الطائفيين، وتضيع ملامح وجوده وانتمائه المحسوسة منها والملموسة؟!
هل كان سيبكي أم سيضحك وشر البلية ما يضحك أمام حال المحرق التي زرع الراحل «فرجانها» و«دواعيسها» ومقبرتها بسنابل الحق؟! هل كان ليخشع أمام مرأى كعبة النضال الوطني لعقود خلت، وقد أصبحت بعبث المرتزقة والانتهازيين من خصومه وأعدائه أشبه ما تكون بمكة قبل أن يفتحها جند الرسول الأعظم (ص)، فهي الآن واد غير ذي زرع وطني تحت رواسي الأمواج البحرية المبتورة الأطراف بعمليات «الدفان» بعد أن كانت محجة بيضاء للتآلف والتحاب الوطني والإنساني الأسمى، وهاهم المرتزقة والانتهازيون كهنة وسدنة وتجارا للفقر السياسي والمعيشي يجمعون ويساوون مكانة ومقاما وبقرعة قدرية مصطنعة بين مئة مواطن و«خيشة عيش» واحدة، ويدعون إلى توحيد الله وتنزيهه على منابر الدين في حين أنهم وفي منابر الدنيا يسجدون سياسيا لألف صنم وغنم؟!
يروى أنه حينما بزغت أول ملامح الانفراج السياسي والوطن كان يعيش حينها أحلى أيامه بإطلاق سراح أبنائه المنفيين والمبعدين والمعذبين والمعتقلين قام المناضل عبدالله فخرو حينها بالتحذير من أن تجمد الخطوات الإصلاحية المعلنة بحماس وألا تعدو على أن تكون تكتيكا مرحليا سياسيا أو مجرد «فيعة» إصلاحية بدلا من بناء مؤسساتي وتشريعي جوهري للدولة يبدأ بمصالحة حقيقية مع المجتمع المغلوب والمحلوب على أمره!
لو كان (أبو علي) بيننا هل كان ليسكت عن حقوق المواطن البحريني وأوضاعه المعيشية البائسة؟! هذا المواطن المسكين الذي مازال يستحق الكثير من الإنصاف والتقدير هلا أعطيتموه حقوقه ومزاياه المواطنية أولا أسوة بأشقائه في دول المنطقة وأنتم تحدثونه عن أحلام سنغافورة الحرية والمساواة الجميلة، وهو يعيش واقع إندونيسيا وسريلانكا باستثناء السواحل والسهول المفقودة!
ابن فخرو الذي وحّد بحياته وبجنازته شعب البحرين بسنته وشيعته لو كان شيخا حيا بيننا يعلمنا لغة الحق والحقيقة هل كان ليرضى بحال مواطنتنا ووطنيتنا البائسة حاليا؟!
أذكر أنه وفي خلال حديث لي مع أخ وصديق عزيز من الشقيقة قطر تناول «الإخوان المسلمين» بشكل عام في المنطقة بين الإيجاب والسلب، وكيف احتج عليّ حينها أخي وصديقي القطري وقال لي إنه لا يؤمن إلا بالإخوان القطريين فهم الجمعية والتيار، ويعني بهم جميع المواطنين القطريين، أما أنا وبمناسبة الذكرى الثالثة لرحيل المناضل الوطني عبدالله فخرو فإنني أدعو كشقيقي القطري إلى أن نكون جميعا إخوانا بحرينيين إزاء ما يلفنا من قضايا وتحديات مصيرية، وأن نلقي عن كواهلنا رجس الطائفية المصطنعة من قبل أعداء هذا الشعب وما أكثرهم بينه!
أبا علي إنا على فراقك لمحزونون!
إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"العدد 1795 - الأحد 05 أغسطس 2007م الموافق 21 رجب 1428هـ