العدد 1794 - السبت 04 أغسطس 2007م الموافق 20 رجب 1428هـ

أميركا القلقة من سبتمبر 2001 إلى صيف 2007

شكّلت هجمات 11 سبتمبر نقطة تحوّل في العلاقات الدولية حين قررت إدارة واشنطن رد الإهانة والانتقام عشوائيا من الطرف الذي اتهم بتنفيذ تلك «الغزوات» كما ذكرت حركة «طالبان» في بياناتها. فالولايات المتحدة بعد ذاك التاريخ ستتجه نحو تبني سياسة خارجية تقويضية لا تأبه كثيرا لمصالح الدول الكبرى وقرارات الأمم المتحدة. وهذا ما أدى لاحقا إلى تشكيل جبهة مضادة لإدارة الرئيس جورج بوش تألفت من فرنسا وألمانيا وروسيا والصين. إلا أن الجبهة المضادة كانت أضعف من القوة الأميركية التي قررت التوجّه فورا إلى مصادر الخطر تحت شعارات أيديولوجية ألهبت مشاعر الرأي العام الأميركي.

طرحت إدارة «المحافظين الجدد» مجموعة أفكار للثأر من تنظيم «القاعدة» وشبكاته السرية، واعتبرت حربها عليه بداية «حرب عالمية ثالثة» ضد الإرهاب وعلى كل دول العالم أن تتعاون لمواجهة هذا الخطر. وقسمت واشنطن العالم إلى معسكرين: مع الولايات المتحدة أو ضدها.

تحت مظلة الانتقام توجهت أميركا إلى أفغانستان وأطاحت بنظام طالبان في نهاية العام 2001. ثم بدأت تخطط لاجتياح العراق بذريعة أن نظام صدام حسين يموّل تنظيم «القاعدة» ويعمل على إنتاج «أسلحة دمار شامل». وباسم «الحرب العالمية الثالثة» قررت واشنطن توجيه «ضربة استباقية» للعراق حتى لا تعطى فرصة أخرى للنظام المتعاون مع «القاعدة» في شن حملة إرهابية داخل أراضي الولايات المتحدة. وهذا ما نجحت في تنفيذه في ربيع العام 2003 على رغم الاعتراضات الدولية والمخاوف الإقليمية.

ساهمت السياسة الأيديولوجية الأميركية في تشكيل قناعات خرافية لدى إدارة البيت الأبيض، وبدأ الكلام يتسرب من وراء كواليس واشنطن أن الرئيس أخذ يتعامل مع مراكز القرار بصفته «الرجل المختار» الذي انتدب من قوى خارجية لإنقاذ «الشرق الأوسط» من التخلف والاستبداد. وهذا ما ظهر بسرعة في تصريحات هجومية أطلقتها الإدارة ضد الدول العربية والمسلمة مهددة دول الجوار بالخضوع والاستسلام وإلا سيكون مصيرها التغيير من طريق استخدام القوة.

آنذاك عاشت الإدارة الأميركية لحظات من الزهو والافتخار وأخذت تتكلم عن تغيير سياسات وتعديل خريطة «الشرق الأوسط» بذريعة إصلاح المنطقة وإنقاذها من ثقافة تشجع على التطرف والإرهاب. وشكّلت تلك اللحظات المتوترة بداية قلق لدى مختلف الأنظمة العربية والمجاورة وخصوصا حين بدأت الإدارة الأميركية تتحدث عن شبكات لتنظيم «القاعدة» ممتدة في 40 دولة وتحتاج إلى 40 سنة لمحاربتها. ولهذه المناسبة أطلقت الولايات المتحدة مجموعة مفاهيم لتبرير سياستها التقويضية. فكانت تتحدث عن «محور الشر» أو عن «أنظمة استبداد» أو عن «ثقافة تنتج التطرف» أو عن «الحروب الاستباقية» أو «الفوضى البناءة» أو «الانتصار الحاسم» أو «المعركة النهائية» وغيرها من شعارات استفزت المشاعر الدينية والقومية ورفعت من درجات الكراهية للولايات المتحدة.

إلى تأجيج العواطف بدأت تظهر في المنطقة العربية/ الإسلامية عناصر ممانعة تمثلت في تعرض قوات الاحتلال الأميركية إلى ضربات موجعة في العراق وأفغانستان. ورافقت تلك المقاومات نشوء نوع من الاعتراضات الدولية على سياسة التفرد الأميركية وعدم احترام واشنطن لتوازن المصالح ومواقع القوى الكبرى في معادلة «الشرق الأوسط». وزاد الطين بلة أن الولايات المتحدة استكملت هجومها على السلطة الفلسطينية بعد غياب ياسر عرفات ورفضت الاعتراف بنتائج الانتخابات التي فازت بها «حماس» فقررت استئناف نهج المقاطعة والحصار والتجويع وصولا إلى العدوان على لبنان في الصيف الماضي. وخلال فترة العدوان على بلاد الأَرز كررت واشنطن طرح شعارات تقويضية تحدثت عن «مخاض الشرق الأوسط الجديد» من دون توضيح هوية الخريطة ومداها الجغرافي وحدودها السياسية.

الحرب على لبنان شكّلت بداية جديدة في طور مختلف عن السابق. فالعدوان دمّر البنى التحتية للدولة وحطّم قرى الجنوب وهجّر سكانها ولكنه فشل في جرّ الحكومة إلى توقيع معاهدة سلام مع «إسرائيل» أو نزع سلاح حزب الله. وأدى هذا الفشل السياسي إلى توليد قوى مضادة ترفض الاستجابة للشروط الأميركية وخصوصا في موضوع «الملف النووي الإيراني».

الملف الإيراني لم يبدأ بعد العدوان على لبنان ولكنه تحوّل خلال فترة الصيف الماضي إلى نقطة توتر إقليمية حين ربطت واشنطن ملفات «الشرق الأوسط» في سلسلة واحدة مشدودة الحلقات تبدأ في طهران وتمر في بغداد ودمشق وبيروت وتنتهي في غزة ودارفور. وشكّل هذا الترابط السياسي بداية ظهور تكتلات جديدة على مسرح «الشرق الأوسط». فأميركا التي أخذ مشروعها بالتراجع بدأت تبحث عن أفكار تغطي انسحابها أو تبررهجومها وفي الآن طرحت مجموعة خطط غامضة في أهدافها السياسية والعسكرية.

هذا الغموض أثار مجموعة أسئلة عن خلفيات التحوّل المذكور. فهل هو ناتج عن تلك المتغيرات في مزاج الشارع الأميركي ونجاح الحزب الديمقراطي في السيطرة على الكونغرس؟ هل هو نتاج الفشل الميداني في أفغانستان والعراق أم ردة فعل على تقرير لجنة بيكر - هاملتون الذي طالبت توصياته بوش بالانسحاب المشرّف والتفاوض مع دول الجوار وتحديدا سورية وإيران؟ وهل بدأت أميركا تخطط لسياسة دولية جديدة بعد اصطدام استراتيجيتها الهجومية بعقبات ميدانية ودولية وإقليمية أم أنها تناور للالتفاف حول الاستحقاقات والانقضاض على دول الجوار؟

كل هذه الأسئلة طرحت للرد على غموض السياسة الأميركية وعدم وضوح استراتيجيتها بعد الانتخابات النصفية في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي وصدور تقرير بيكر - هاملتون في ديسمبر/ كانون الأول 2006. فمنذ تلك الأشهر دخلت واشنطن في سياسة مغايرة لتلك التي ظهرت بها في الفترة الممتدة منذ سبتمبر 2001 إلى ديسمبر 2006. فهل الولايات المتحدة على شفير الانهيار أو على قاب قوسين من إعلان الفشل والبدء في الانسحاب، أو أنها تخطط لضربة استباقية يقال إنها ستقع خلال الصيف الجاري؟

حتى الآن تبدو كل الترجيحات واردة. فالرئيس الأميركي تعامل مع نتائج الانتخابات النصفية وتوصيات لجنة بيكر - هاملتون باستخفاف وردّ على النقطتين بسياسة هجومية قررت تعزيز القوات الأميركية في العراق وإرسال 30 ألف جندي إضافي لإنقاذ هيبة الولايات المتحدة من الانهيار. كذلك أعطى توجيهاته بنصب الصواريخ في أوروبا الشرقية وتحشيد الأساطيل في المياه القريبة من إيران مهددا بالمزيد من الضربات لمنع طهران من استكمال برنامج التخصيب النووي.

إلى هذا السلوك أرفق بوش خطواته بسلسلة اتصالات سياسية ولقاءات دبلوماسية مباشرة أو غير مباشرة مع سورية وإيران بذريعة البحث مع الدولتين عن مخارج عملية تنجح الخطة الأمنية في العراق وتضبط الحدود الدولية بين لبنان و»إسرائيل». وحتى هذه اللحظات لاتزال واشنطن تواصل هذا السلوك المتعارض، فهي ترسل إشارات تصعيدية من جهة وتهدد إيران بالعقاب مستفيدة من القرارات الدولية التي طالبت طهران بوقف مشروع تخصيب اليورانيوم. وأيضا ترسل إشارات ضوئية من جهة أخرى تحاول من خلالها إظهار حسن سلوكها واستعدادها للتفاهم وتغيير سياساتها الهجومية السابقة.

مضت الآن ثمانية أشهر على الفترة الضبابية التي تمر بها الولايات المتحدة. وخلال هذه المرحلة الزمنية الغامضة تغيّرت سياسات ورحلت رموز (شيراك وبلير) وجاءت وجوه وظهرت أيضا متغيرات دولية تتمثل بصعود روسيا الاتحادية في الفلك الأوروبي وعودة موسكو إلى ممارسة ضغوطها على مسلكيات إدارة أميركية تائهة في خياراتها الاستراتيجية.

نحن الآن في مطلع أغسطس/ آب 2007 والكل يراهن على صيف ساخن ومعركة كبرى. فهل يصح هذا التوقع أم هناك وراء الكواليس سيناريو آخر؟

العدد 1794 - السبت 04 أغسطس 2007م الموافق 20 رجب 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً