العدد 1794 - السبت 04 أغسطس 2007م الموافق 20 رجب 1428هـ

حارسة «هرمز»... بين مطرقتين

فيما يبقى «الناتو» سيدة عجوز تستحي «ذكورة الحرب»

على شاكلة دروس تعليم الكتابة في اللغة الإنجليزية منذ المراحل الأولى حتى نهاية سنوات الجامعة، سؤال واحد يتكرر «اكتب رسالة لصديق، تدعوه فيها لزيارة بلدك»!. على شاكلة هذه العادة يبدو تورط الولايات المتحدة في الخليج.

ليس ثمة من خيارات أمام الطالب إلا أن يكتب رسالته المعتادة - على الاخطاء ذاتها التي تتكرر في كل امتحان على امتداد المراحل الدراسية بكاملها - وكذلك الحال بالنسبة للأميركيين، هم مجبرون على أن يكونوا رغما عنهم، وبالأخطاء نفسها التي يرتكبونها في كل مرة. يبدو أن الذين يقولون ان «الإنسان يتعلم من أخطائه» لا يدركون، إلى أي حد، تبدو هذه العبارة «مخادعة»!

الحديث عن الضرورات الإستراتيجية لثلاثية «أمن الخليج - الولايات المتحدة - حلف الناتو» لن يكون جديدا على أي حال، إلا أن ما يمثل «الجديد» هو الجدل الأميركي - الأميركي أولا، ويبدو صراع الرئيس الأميركي مع الكونجرس بشأن اعتماد مخصصات جديدة لحرب تحرير العراق نموذجا له. وثانيا، المزاج الجديد للناتو، ليس من توقيت اطلاق مبادرة اسطنبول في 2004 تحديدا، بل بتوقيت المؤتمرات الأخيرة والاتفاقات التي وقعت حديثا في الخليج، سواء في الدوحة، الكويت أو هنا في المنامة.

إذن سيكون ثمة محوران رئيسيان في هذه القراءة، المحور الأول يناقش الجدل الأميركي الداخلي بشأن التدخلات العسكرية الأميركية في الخليج وتبعات الملف الإيراني المتسارع. أما المحور الثاني فسيكون مختصا بمزاج الناتو الجديد الذي يبدو في أينع فترات نضجه خلال الشهور الأربعة الماضية.

أمن الخليج... أمن أميركي

تعتبر الولايات المتحدة أمن الخليج عنصرا مكملا لأمنها القومي، وهو ما يجعل محورية حماية دول الخليج وضمان استقرار هذه المنطقة من العالم خيارا إستراتيجيا لا تنازع فيه ولا تذهب جدالات الداخل الأميركي للولوج في أمن الخليج من باب التخلي عن دور كلب الحراسة للخليج وإمدادات نفطه لأميركا والعالم بقدر ما تنحصر سياسات إدارة هذا الملف من قبل الرئاسة الجمهورية التي يعتقد الديمقراطيون أنها لا تجيد «التصرف» على الأقل وتعبث بسمعة وأرواح الجنود الأميركيين على الأكثر.

يشير المحلل الإستراتيجي أشرف العيسوي إلى أن الخليج كان ولايزال «إحدى أهم المناطق في التفكير الإستراتيجي الأميركي (...) أيضا كانت المنطقة أكثر أقاليم العالم تأثرا بأحداث 11 سبتمبر/ ايلول 2001، فقد احتل العراق، وثمة ضغوط دولية على إيران، أما دول الخليج العربي الأخرى فتعرضت لسلسلة من الضغوط الأميركية المتباينة في محاولة لربطها بالحرب على الإرهاب».

بدأ التدخل الأميركي في الخليج فعليا العام 1971 عقب الانسحاب البريطاني من المنطقة، فكانت الولايات المتحدة شرطي المنطقة الجديد. يقول العيسوي: «أخذت أميركا على عاتقها مسئولية تحقيق الأمن والاستقرار في هذه المنطقة، وظهرت الكثير من المبادئ والإستراتيجيات التي ارتبطت بأسماء الكثير من الرؤساء الأميركيين، مثل: مبدأ نيكسون، ثم مبدأ كارتر، ومبدأ الصراع الإستراتيجي في عهد ريجان، ومبدأ الاحتواء المزدوج في ظل إدارة كلينتون، وأخيرا مبدأ بوش (الاستباقي)».

مثلت فترة نكسون رواجا لفكرة الاعتماد على قوتين ثنائيتين، فكان التدخل الأميركي يتم من خلال «السعودية» و»إيران» وهو ما أطلق عليه بسياسة «العمودين»، وكان العام 1979 عام التدخل العسكري المباشر وهو ما تمخض عنه - بحسب العيسوي - «مبدأ كارتر الذي صيغ في يناير/ كانون الثاني 1980، وإعلان الإدارة الأميركية أنها لن تسمح لدولة بعينها للسيطرة على الخليج، وستستخدم كل الأساليب اللازمة - بما فيها القوة العسكرية - إذا رأت تهديدا لمصالحها بالمنطقة».

يضيف العيسوي «جاء إعلان مبدأ بوش الابن الذي نص بكل وضوح على سياسة الاستخدام المباشر للقوة العسكرية، وتوجيه الضربات الاستباقية بعد حوداث 11 سبتمبر2001 ضد الدول أو القوى التي تمثل تهديدا مباشرا للأمن الإقليمي والعالمي طبقا للمفهوم الأمريكي، فقامت القوات الأمريكية بغزو العراق في مارس/ آذار 2003 (...) والآن تصعد الولايات المتحدة ضغوطها ضد إيران بإثارة ملفها النووي والتهديد بفرض عقوبات عليها في حال إن لم توقف تخصيب اليورانيوم».

وفي حال أعطينا الملف الإيراني خصوصية في هذه القراءة فلا بد أن ننتهي إلى خلاصات مهمة، ويأتي على رأس هذه الخلاصات خطورة القوة العسكرية الإيرانية التقليدية - فضلا عن النووية - على استمرارية الرؤية الأميركية أن لا شرطي في الخليج سوى قوات التدخل السريع التي تنتشر. وما خلا التدخلات الإيرانية الإستخباراتية والعسكرية في العراق تدرك أميركا خطورة الإيرانيين وثقلهم في الخليج، وهو ما يجعل من خيار «الحرب على إيران» خيارا إستراتيجيا سواء أكانت إيران في طريقها للانضمام لنادي الدول النووية أم لا، وهو ما يذكرنا بأرجوحة أسلحة الدمار الشامل العراقية التي كانت في حقيقتها الذريعة التي استطاع الأميركيون من خلالها دخول بغداد في صمت عالمي مطبق.

اليوم، يقف الأميركيون أمام خيارات عدة، منها: سلوك الخيار الكلاسيكي البريطاني المعتمد على السيطرة على البحر وإمتلاك قوة الردع الكافية أمام أي تحدٍ محتمل لأمن الخليج، هذا التكتيك البريطاني الإنتاج تكمله عمليات التدخل البري المباشر أو القصف الرادع وذلك وفق مبدأ الحروب «الاستباقية» لبوش. وتقف على الجانب الآخر سياسة الاعتماد على توازن القوى في المنطقة باعتبارها الضمان الأمثل للأمن في الخليج، ويصف العيسوي هذا الخيار بانه عملية «إحياء» لمبدأ «نيكسون»، الذي يقوم على سياسة «توازن القوى التقليدية»، وتقليص الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة إلى الحد الأدنى، مع الإبقاء على مقر قيادة الأسطول الخامس في البحرين، وخفض عدد القطع البحرية الأميركية في الخليج، والتركيز على قاعدة «العيديد» القطرية، والاحتفاظ ببعض المعدات في الكويت، إضافة إلى الوجود العسكري في العراق.

يبدو هذا الخيار على عقلانيته ومنطقيته بعيدا، ذلك أن الأميركيين لا يزالون غير قادرين على اختراق الإيرانيين نحو اللعب المباشر معهم، ويؤكد العيسوي في هذا السياق أن هذا الخيار يشترط «إعادة بناء الجيش العراقي من جديد، أو القيام بعمل عسكري ضد إيران لتدمير قدراتها العسكرية، وكلا الخيارين يواجه صعوبات عديدة في التطبيق، كما أن تقليص الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة في الوقت الراهن قد يعرض مصالحها الإستراتيجية للخطر، ويغري قوى خارجية بالتدخل في المنطقة وبخاصة روسيا والصين اللتان تعملان على موازنة الدور الأميركي العالمي».

«الناتو»... دخول بريء أم منظم؟

يأتي دخول «الناتو» للخليج قبالة الصعوبات التي يواجهها الأميركيون في حل معادلة أمن الخليج في موضع تشكيك لدى البعض، وترحيب من قبل البعض الآخر. هل يبدو تدخل الناتو الذي كان جامدا عقب مبادرة اسطنبول 2004 والناشط بقوة حاليا بريئا؟، أم أنه محاولة فرنسية ألمانية لضمان مصالحهم في الخليج دون الارتهان للهيمنة الأميركية؟، أم أن الأميركيين أنفسهم هم من أعزوا للناتو الدخول للمنطقة وتفعيل مبادرة اسطنبول؟. الإجابة على هذا السؤال تعتمد على متابعة «الناتو» خلال الأشهر القليلة المقبلة خصوصا إذا ما كانت الأيام القادمة ستشهد حربا أميركية إيرانية.

العيسوي يعرض ضمن خيارات الأميركيين في الخليج فكرة «تأسيس حلف أطلسي محلي، أي إقامة حلف دفاعي رسمي بين الولايات المتحدة ودول المجلس، إضافة إلى العراق الجديد، ومن شأن معاهدة دفاعية رسمية أن تكون أفضل وسيلة للحفاظ على الالتزامات الأميركية في المنطقة، وتستمد هذه الفكرة من تجربة حلف بغداد الذي أنشئ العام 1955، والذي كان يشمل العراق وإيران وتركيا وبريطانيا». وهنا، نسأل ما إذا كان دخول حلف الناتو هو تطوير لخيار التحالفات، لتكون دول الخليج والعراق أعضاء في حلف «الناتو»، وهو ما سيجعل الشرق أكثر هدوءا إو اضطرابا بحسب ردة الفعل الروسية - الصينية - الإيرانية التي ستكون مدركة خطورة مثل هذا التحالف على هذه الدول إستراتيجا.

بالنسبة لحلف الناتو، لا بد من أن تكون الذاكرة قريبة من مجمل الخلافات الداخلية التي عصفت بالحلف إبان الحرب على صربيا، خصوصا فيما يتعلق بالموزانات العسكرية التي يتملص الأوربيون من الالتزام بها قبالة جوهرية القيادة الأميركية لجميع أعمال الحلف العسكرية والإستراتيجية.

لا تبدو المملكة المتحدة عقب استقالة رئيس وزرائها «بلير» الأخيرة، أو ألمانيا، أو حتى فرنسا - التي كان تدخلها العسكري ضمن قوات حفظ السلام جنوب لبنان مخجلا إذ وقفت السفن الفرنسية لأيام مترددة النزول للأراضي اللبنانية - دولا جادة في الدخول لمعادلة الأمن في الخليج عسكريا، صحيح أن مبادرة اسطنبول لا تتضمن في بنودها إجراءات دفاعية على الأرض خلاف التبادل المعلوماتي وما شابه إلا أن مشروع تدخل الناتو برمته في الخليج إن لم يكن طموحا إلى هذا الحد، فيحق حينها أن نسأل: ماذا تريدون إذا إن لم تكونوا رسلا لواشنطن؟

على صعيد آخر، يعاكس ما ذهبنا له، يرى بعض المحللين السياسيين أن الولايات المتحدة لا يمكنها السعي نحو خليج عربي آمن، ذلك أن «الأمن في الخليج» يقتضي أن يحول الاقتصاد الكوني لاقتصاد مفتوح ليس للأميركيين فيه أفضلية، وهو ما يتعارض مع المصالح الأميركية في المنطقة خصوصا بالنسبة لإمدادات النفط مع تزايد الطلب الصيني الذي يتوقع المراقبون أن يتضاعف لمرات عدة خلال السنوات الخمس المقبلة.

تسعى الولايات المتحدة - بحسب هذه الآراء - إلى ابقاء الخليج العربي متوترا بغية تبرير التواجد الأميركي والتحكم بما يخرج من مضيق «هرمز» وفق ما يعرف بتجارة «التهديد والحماية». هذه القراءات تحيل فيما تحيل إلى منطقية الاعتقاد أن السيدة العجوز - أوروبا - باتت تبحث من خلال الناتو إلى اعادة التوزان في منطقة الشرق الأوسط خلاف الرؤية الأميركية، وهو ما يعني بالضرورة أن ثمة رؤيتين للامن في الخليج، إحداها أميركية نعرفها جيدا، وأخرى أوربية ممثلة بالناتو نجهلها حتى اليوم.

أمن الخليج ... والمطرقة العراقية

الداخل الأميركي بالتأكيد أصبح متقلبا بين الإيمان بسياسات الولايات المتحدة فيما يتعلق بأمن الخليج وأمن الأميركيين أنفسهم، وأكثر المؤيديين لحرب تحرير العراق هم اليوم على النقيض من ذلك. يقول المحلل الإستراتيجي الأميركي جيفري كمب في مقالته الإستراتيجية بعنوان أميركا وأمن الخليج العربي «إن أكثر الأفراد والجماعات تأييدا للحرب - يعني حرب تحرير العراق - باتت على قناعة اليوم بضرورة الإعلان عن جدول زمني يتم بموجبه تخفيض عدد القوات الأميركية (...) بل هناك من أصوات النقد التي تعلو شيئا فشيئا، مطالبة بإعلان انسحاب أميركي أحادي الجانب من العراق بأسرع ما يمكن».

إلا أن الكاتب ومن رؤية إستراتيجية يؤكد ضرورة أخرى، وهي بقاء الأميركيين في الخليج، يقول «غير أن ذلك لا ينفي حقيقة استمرار وجودها العسكري الكثيف في المنطقة، خاصة في الدول الخليجية الأصغر حجما. والشاهد أن هذه الدول صارت أكثر دعما وتأييدا للولايات المتحدة، بل وأكثر اعتمادا عليها، منذ الغزو العراقي للكويت في العام 1999».

ويضيف كمب «إن إحدى أهم قصص نجاح الغزو الأميركي للعراق- وهي مما لم يكشف النقاب عنه بعد - هي ما أحرزته واشنطن مع هذه الدول عبر سلسلة من ترتيبات التعاون الأمني معها، في عدد من القضايا والمصالح المتبادلة والمشتركة. وسيكون لهذا الوجود الأمني العسكري الأميركي في دول الخليج، دور أكبر فيما لو واصلت طهران برامجها النووية، وتمكنت من تطوير وتصنيع صواريخ متقدمة، من شأنها أن تشكل تهديدا أمنيا وعسكريا واضحا لمنطقة الخليج العربي والمنطقة العربية بأسرها».

القراءة الأميركية تؤكد مكاسب كبرى في العراق بخلاف النفط، وهي المزيد من الإيمان القوي لدى الخليجيين بان الولايات المتحدة التي احتلت العراق هي نفسها من تستطيع حمايتهم من المد الإيراني، وكلما زاد الإيرانيون من تهديداتهم للخليج زادت أهمية الوجود الأميركي، وهي محورية تدرك واشنطن أهميتها خلاف دول الخليج التي بلعت الطعم دون ممانعة.

أما ما يقلق الإدارة الأميركية بالنسبة للملف الإيراني هو الاستياء الشعبي داخل الولايات المتحدة، الذي باتت استطلاعات الرأي تعلن عنه بتزايد يوما بعد يوم. وكما أن الخليجيين لا يدركون الأرباح الأميركية خلاف الأعداد المتزايدة من القتلى في صفوف الجيش فإن الأميركيين المهووسين بشبحية فيتنام هم أيضا لا يهتمون لتلك المكاسب حين يرون طائرات الجيش الأميركي تنقل جثث القتلى من العراق يوما بعد يوم.

هكذا تبدو ضريبة عظمة «النفط» والأرباح المؤجلة لكلب الحراسة الأميركي في الخليج بين مطرقة الرأي العام الأميركي الذي أفقد الجمهوريين حتى الآن مراكز القوى التي كانوا يتحكمون بها من جهة، وبين الطمع في المزيد من التطويق لقوى «الشر» بالتعبير الأميركي. أما ما يثير الاستغراب فعلا، فهو أن الولايات المتحدة عبر سياساتها الأخيرة سواء في أفغانستان أو العراق لم تنجح في لجم قوى الشر أو القضاء عليها بقدر ما ساهمت في صناعة حدود معارك جديدة غالبا ما تكون قوى الشر نفسها الأقدر على اللعب فيها بقدرة وتأثير أكبر.

مزاج «الناتو» «الجديد»

الدخول الأخير الناتو في منطقة الخليج بات لافتا للأنظار بشدة، فقد شهدت الدوحة أوائل ديسمبر من العام الماضي 2006 مؤتمر «تحولات حلف الناتو وأمن الخليج» بالتعاون بين وزارة الخارجية القطرية ومؤسسة راند الأمريكية. تلاه مؤتمر «أمن الخليج» في البحرين، ثم الكويت، ليعود نشاط الناتو من جديد للبحرين، وذلك يومي 5 و6 يونيو 2007 بفندق الريتز كارلتون بالمنامة ضمن مؤتمر «الإعلام متغير: بين رؤيتي الخليج والناتو» الذي نظمته وزارة الإعلام في البحرين بالتعاون مع إدارة الإعلام بمنظمة حلف شمال الأطلسي «الناتو».

يشار إلى أن دخول حلف «الناتو» للخليج بدأ رسميا مع «القمة السابعة عشرة» التي تعرف بقمة اسطنبول العام 2004 التي أشهرت استراتيجية بناء الجسور والشراكة مع أقاليم أخرى في العالم ومنها، منطقة الخليج. وتحفظ - حتى الآن - كل من السعودية وعمان على الانضمام لاتفاقية اسطنبول التي وقعت عليها باقي دول الخليج ثنائيا مع «الناتو».

الناتو عنون دخوله الجديد للمنطقة بأنه تتركز على خبراته عبر امتلاك بناء حلف متعدد الأقطاب يتقاسم أعضاؤه الأعباء والمهام، كما أن جزءا كبيرا من تجربته يتركز أيضا في تشجيع عملية التحول إلى تحالف ذي فاعلية أكبر. ومن أجل الاستفادة من هذه التجارب، لابد من أن يتم الاهتمام بتوسيع برنامج الشراكة من أجل السلام الذي يتبناه الحلف ليشمل دول الخليج.

الأوراق التي قدمت إلى المؤتمر كانت ترتكز على زاويتين اثنتين، الأولى: أن مساحة التساؤلات حول دخول الناتو لمنطقة الخليج عبر تفعيل مبادرة اسطنبول لاتزال واسعة وتحتاج إلى الكثير من الإجابات. أما الزاوية الثانية فكانت تتجه نحو مشاركة الناتو في ما ذهب له حد ضرورة إعادة قراءة منطقة الخليج عالميا بوصفها منطقة تمثل عصب الطاقة في العالم، وهو ما يحيلها لمنطقة «عالمية» ذات أهمية خاصة تؤهلها لأن تكون محور العالم ومحط إهتمام كافة بلدان العالم.

خلاصة ما دار في حوار المنامة هو أن «الناتو» تعرض وللمرة الأولى إلى قراءات معمقة من داخل الخليج، وهو ما دعى الكثير من الشخصيات البارزة التي شاركت في مؤتمر المنامة إلى إقرارها بضرورة إعداد برامج اتصالية وتواصلية جديدة، فالخليج والناتو لا يعرف أحدهما الأخر، ببساطة.

على الصعيد العسكري، يقدم حلف الناتو حاليا دعمه للقوة البولندية المتواجدة في العراق، ومنذ تم اطلاق العملية الفعالة العام 2001 ضمن رد حلف شمال الأطلسي على التهديد الأمني الذي يشكله الإرهاب العالمي تقوم القوات البحرية التابعة للحلف من العام 2003 بـ «عمليات مسح وتفتيش للسفن العابرة في البحر الأبيض المتوسط لمحاربة انتشار الأسلحة وتحركات الإرهابيين».

أما في أفغانستان فتشير التقارير العسكرية إلى أن الحلف «يرأس خمس فرق إقليمية لإعادة الاعمار في الشمال والشمال الغربي لأفغانستان وضمان سيادة الأمن خلال فترة الانتخابات هناك، بالإضافة إلى مهام يقوم بها في البوسنة على ضوء اتفاق قادة حلف شمال الأطلسي في قمة اسطنبول على انهاء عمليات قوات الاستقرار الناجحة التي قام بها الحلف نهاية العام 2004م، وفي كوسوفو حيث يساعد وجود قوات تابعة لحلف شمال الأطلسي على إيجاد بيئة مستقرة لنجاح المحادثات بين ممثلي الأقلية الألبانية والصرب للتوصل لتسوية نهائية».

وما خلا التدخل العسكري للناتو في البوسنة والهرسك - الذي تحملت أعباءه الولايات المتحدة - لا تمثل مجمل المشاركات العسكرية للحلف قوة عالمية، صحيح أن نجاحات حلف الناتو في وقاية أوربا من أي حروب خلال الحرب الباردة كانت أهم النجاحات التي حققها الحلف إلا أن ذلك تقوضه على أقل تقدير البيانات الداخلية للحلف التي تؤكد أن الولايات المتحدة هي من يسيطر على إدارة العمليات العسكرية للحلف مجملا.

العدد 1794 - السبت 04 أغسطس 2007م الموافق 20 رجب 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً