تابعت كما تابع غيري الحلقات المنشورة في صحيفة محلية لجنة العريضة الشعبية في مسار النضال الوطني بقلم عضو لجنة العريضة الشعبية علي قاسم ربيعة ولا شك أن ذلك شكل حدثا في توثيق حوادث التسعينات ودور لجنة العريضة الشعبية فيها وإتاحتها للجمهور لأول مرة. وقد كتبت فوزية مطر تعليقا في حلقتين نشرتا في «الوسط» تصويبا من وجهة نظرها لما ورد في تلك الحلقات. وهذه الحلقات جزء من عمل أكبر هو كتاب من القطع المتوسط بالعنوان ذاته «لجنة العريضة الشعبية في مسار النضال الوطني في البحرين».
وبعدقراءة الصفحات الأولى هاتفت الصديق أبوثائر مهنئا بالجهد المبذول في التوثيق، ووعدته بإبداء ملاحظاتي حالما أنتهي من قراءة الكتاب، ويبدو أن هناك مفاجآت بانتظاري لم أتوقعها، ومنها ما يتعلق بي شخصيا وما يتعلق بأدوار الآخرين.
مغالطة فاضحة
سأبدأ بمغالطة فاضحة وردت في الكتاب، تهمني شخصيا يتوجب توضيحها وأترك للآخرين أن يردوا على ما جاء بحقهم. في الصفحة 304 يذكر علي ربيعة:
«أن من الذين انبهروا بالانفراج السياسي وعبروا عن حماسهم الشديد للرجوع إلى البحرين المهندس عبدالنبي العكري المقيم في سورية. وحرصا على وحدة موقف المبعدين حيال مسألة الرجوع حاول الدكتور منصور الجمري اقناع المهندس عبدالنبي بعدم الإقدام على هذه الخطوة في هذا الظرف وخصوصا أن المشروع مازال في بدايته وان أبعاده لم تتحدد بعد. وفي سياق محاولة التأثير على المهندس العكري من أجل التريث اتصل منصور الجمري بالناشط الحقوقي المقيم في الدنمارك هاني الريس بعد مؤتمر لندن مباشرة طالبا منه اقناع عبدالنبي العكري بعدم الرجوع في الوقت الحاضر لأن في ذلك ما يعرض وحدة صف المبعدين للانشقاق ويضعف الموقف. وفي محاولة لكسر الرغبة الجامعة لدى عبدالنبي العكري تم الاتفاق بين الجبهة الشعبية وحركة أحرار البحرين على نقله إلى لندن وان يقوم الطرفان بتمويل إقامته حيث يتكفل كل طرف بدفع ألف وخمسمئة دولار شهريا».
هذا الكلام لا أساس له من الصحة وبه تناقض فاضح مع ما سبقه في ص 300 (مؤتمر دار الحكمة في لندن). الكاتب يؤكد أنني وهاني الريس قد حضرنا ممثلين عن لجنة التنسيق بين الجبهتين الشعبية والتحرير. فعلا فقد كنا في لندن لحضور ورشة عمل لحقوق الإنسان في البحرين بتنظيم من المنظمتين الحقوقيتين البحرينيتين. وبعد انتهائها حضرنا مؤتمر دار الحكمة في 26 نوفمبر/ تشرين الثاني 2000 بعد أن تشاورنا مع لجنة التنسيق في دمشق وحصلنا على التفويض اللازم.
موقفي في المؤتمر مسجل ليس به تهافت أو انبهار بالمشروع الإصلاحي وشاركت في المداولات وصوغ البيان الختامي والقرارات، وهاني الريس كان معي ولم يكن في الدنمارك حتى يهاتفه منصور الجمري وبعد انتهاء المؤتمر كان همي الرجوع إلى دمشق لإيصال نتائج المؤتمر والتحرك السياسي في ضوء ذلك ولم أطرح بتاتا الرجوع منفردا إلى البحرين.
ولو كانت لدي رغبة في البقاء في لندن لأمكنني بطلب اللجوء السياسي أو الإنساني بكل بساطة والقول إنه تم الاتفاق بين الجبهة الشعبية في البحرين وحركة أحرار البحرين الإسلامية على نقلي إلى لندن وأن يقوم الطرفان بتمويل إقامتي حيث يتكفل كل طرف بدفع ألف وخمس مئة دولار شهريا ففيه إهانة لي ولنضالي وموقعي وللتنظيمين، فأنا صانع قرار في تنظيمي وعلاقته مع الآخرين ولست صنيعة أحد، وقد اخترت سورية كمقر إقامة ولو كنت أريد الرجوع إلى البحرين فإن الرجوع من لندن أو دمشق سيان.
وأموال الدنيا وليس (3000 دولار) ما يغريني بالبقاء في لندن، إذا لم يكن ذلك ضمن المهمة النضالية التي اخترتها بقناعة، علما بأن هذا المبلغ الخيالي بعيد عن إمكانات الجبهة الشعبية في البحرين والتي كانت بالكاد توفر لكل عائلة من مناضليها -/150 دولارا شهريا لمعيشتهم.
وإذا كانت حركة أحرار البحرين الإسلامية بحسب قوله قد خصصت 400 جنيه أي -/650 دولارا لكل من المشايخ الثلاثة (الشيخ علي سلمان والسيد حيدر الستري والشيخ حمزة الديري) فكيف بها تخصص -/1500 دولار لعبد النبي العكري الذي لا ينتمي إليها.
وعلى أية حال فما ذكر مختلق ولا أساس له من الصحة ويمكن التأكد من ذلك بسؤال مسئولين في التنظيمين وهم لايزالون أحياء.
دور لجنة العريضة والقوى الوطنية والحقوقية
يفهم من طرح علي ربيعة أن لجنة العريضة الشعبية هي كيان سياسي قائم لوحده، في حين أن لجنة العريضة الشعبية هي صيغة خلاقة لشخصيات تمثل القوى والشخصيات الوطنية والإسلامية، وهذا لا يقلل من شأنها أو أهميتها أو الدور الذي لعبته، في ظل تحريم العمل السياسي وتحريم التنظيمات السياسية.
إن دور لجنة العريضة الشعبية في مسار النضال الوطني في البحرين هو في ترابط وتناغم مع نضال التنظيمات الوطنية والإسلامية في الداخل والخارج، ولذلك فقد احتظنت هذه التنظيمات جماهير الشعب لجنة العريضة، كعنوان لنضالها.
هذا التناغم الخلاق بين لجنة العريضة والتنظيمات السياسية هو ما أعطى اللجنة السمعة والأهمية، ومكن في الوقت ذاته التنظيمات السياسية من إبلاغ موقفها من خلال اللجنة المقبولة محليا وعربيا ودوليا، كونها انبثاقا من حالة شعبية وتفويض شعبي.
كما أن الحركة الحقوقية كمنظمات وشخصيات في الداخل والخارج لعبت دورا حاسما في توثيق وكشف الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان، وإيصالها الى المنظمات والبرلمانات والحكومات وخصوصا الغربية وكذلك منظمة الأمم المتحدة، وإلى الرأي العام والصحافة ووسائط الإعلام العربية والغربية ما شكل عنصرا مؤثرا في موقف هؤلاء تجاه النظام في البحرين وما يجري في البحرين، وهنا فإن المنظمات الحقوقية أبرزت أيضا دور لجنة العريضة وأوصلت ما يصدر عنها إلى هذه المنظمات والهيئات والبرلمانات والحكومات وإلى هيئات الأمم المتحدة.
لذى فلا يمكن فصل نضال لجنة العريضة عن نضال القوى السياسية ونضال المنظمات الحقوقية.
التكامل وليس التفاضل
التكامل في الأدوار ما بين العمل السياسي والحقوقي وما بين القوى السياسية ولجنة العريضة هو الذي أعطى الزخم لنضال شعب البحرين وسهام في انتصاره. والحرص على تجاوز الأخطاء هو ما مكن من استمرار المسيرة، من دون حساسيات أو حسابات صغيرة.
عندما انبعثت الحركة الجماهيرية في البحرين مع انطلاقة العريضة النخبوية ثم تعززت باطلاق العريضة الجماهيرية فقد كرست لجنة التنسيق بين الجبهتين الشعبية والتحرير جهدها واستثمرت علاقاتها العربية والدولية لطرح قضية شعب البحرين من خلال انتفاضته المباركة. أرسلت الوفود إلى الدول الغربية والتقت بالبرلمانيين وممثلي وزارات الخارجية في فرنسا وبريطانيا والدول الاسكندنافية والاتحاد الأوروبي، وشاركت في المؤتمرات والمهرجانات السياسية والنقابية العربية والإقليمية والدولية، وعندما يخرج وفد أو شخصية وطنية في البحرين من لجنة العريضة أو غيرها كان يجد في مناضلي لجنة التنسيق رفقاء له.
المنظمتان الحقوقيتان، لجنة الدفاع عن حقوق الإنسان في البحرين ومنظمة حقوق الإنسان في البحرين، عملتا في تكامل على طرح الملفات الحقوقية واستطاعتا كسب المنظمات العربية والدولية لبتني قضية شعب البحرين. إن عشرات المنظمات العربية والدولية (المنظمة العربية، العفو الدولية، الفيدرالية الدولية، هيومن رايتس ووتش والمركز الدولي للحقوقيين، والحوار بين الأديان ، ومناهضة التعذيب ولجنة باريس وغيرها وغيرها استندت إلى تقارير المنظمتين اللتين كانتا تعملان في تنسيق كامل مع المحامين والحقوقيين الوطنيين في الداخل.
ومنذ 1993 والوفد الحقوقي البحريني المشترك، يشارك بانتظام في اجتماعات هيئة حقوق الإنسان في الربيع واللجنة الفرعية لحقوق الإنسان في الصيف من كل عام في جنيف، ويحضر أهم المؤتمرات الدولية لحقوق الإنسان وفعالياتها. كما أن الوفد الحقوقي البحريني كان ضمن الوفد الحقوقي الخليجي برئاسة أحمد الخطيب، والذي زار البرلمان الأوروبي في نوفمبر 1990، مدشنا بذلك زيارات منتظمة للبرلمان الأوروبي وبرلمانات فرنسا وبريطانيا واسكندنافيا.
وجدت لجنة التنسيق بين الجهتين في الحركة الإسلامية (حركة أحرار البحرين والجبهة الإسلامية) رفقاء نضال على رغم التباين في المنطلقات. ولذلك لم تكن هناك أية حساسيات في العمل المشترك والوفود المشتركة والمهام المشتركة. عندما نذهب إلى لندن ننام في بيوتهم وعندما يأتون إلى دمشق ينامون في بيوتنا. تحركنا بشكل مشترك مستفيدين من علاقات كل منا بالقوى الصديقة. العربية والأجنبية بمختلف أطيافها اليسارية والمحافظة، الإسلامية والعلمانية. ولذلك كانت وحدة شعب البحرين وحركته السياسية في الداخل والخارج مضرب المثل في الوحدة والكفاءة والتضحية.
إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"العدد 1794 - السبت 04 أغسطس 2007م الموافق 20 رجب 1428هـ