لو تمعنت قليلا في مؤسسات المجتمع المدني فلا بد أن تلاحظ غيابا حقيقيا للعنصر الشاب في مواقع اتخاذ القرار في تلك المؤسسات. العنصر الشاب في هذه المؤسسات دوما هو العنصر المنفذ للقرارات التي تتخذ من أعلى، هو العنصر الذي يمتلك الطاقة، ولكنه لا يمتلك الفكر. هو العنصر الذي يحتاج إلى وصاية حتى يصل إلى بر الأمان، ويحتاج إلى إعداد لكي يشكل قيادة المستقبل. هذه الرؤية على رغم من واقعيتها تحرم كثيرا من هذه المؤسسات من ذلك العقل الشاب القادر على التجديد. فكل فكرة جديدة تطرح لا بد لها من تشذيب وتوجيه من الأكبر سنا والأكثر خبرة في هذا المجال، الأمر الذي يتجاوز في أحيان كثيرة أسلوب « التوجيه» لينحو أكثر باتجاه السيطرة والتحكم.
لعل هذه الرؤية نابعة من نظرية « صراع الأجيال» التي تفسر بها الكثير من التصرفات التي يقوم بها الشباب والكبار على حد سواء، فمن الطبيعي أن تتصارع الأجيال على السيطرة والتحكم، غير أنها أيضا رؤية تحتاج إلى كثير من الدراسات الواقعية نتيجة قصور حقيقي في وجود قيادات « شابة» في مجتمع يشكل الشباب فيه أكثر من نصف التعداد السكاني. وتنسحب هذه الرؤية أكثر ما تنسحب على تلك المواقع التي تمتلك التأثير الأكبر أولا على الشباب.
لنأخذ جمعيات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية والنسائية أيضاَ مثالا على ذلك، قيادات هذه الجمعيات غالبا شخصيات تمتلك جذورا وتاريخا طويلا في العمل التطوعي والخيري، تمتلك الحكمة والخبرة التي يمكن أن تثري بها العمل، ولكنها مهما فعلت عاجزة عن الوصول إلى تلك الشريحة الأكبر والأهم من المجتمع، وهي الشباب. وأما انضمام الشباب لهذه الجمعيات والمؤسسات فلا يعدو جزءا من لجنة شبابية تخضع إجمالا للخطوط العامة للجمعية أو المؤسسة، أو دعوة « لعزل» الشباب في جمعيات أهلية منفصلة من الجمعيات الشبابية التي بدأت تنتشر في المجتمع البحريني، من دون أن تمتلك رؤية موحدة أو تمثيلا حقيقيين لفئات ذلك القطاع الشبابي. ولا تعدو أنشطتها أن تكون غالبا أنشطة « مفتعلة» لا تتسم بالعمق، ولا تخدم غير تلك الفئات المتناثرة من الشباب التي شكلت هذه الجمعية أو تلك.
ولو انتقلنا إلى الجمعيات السياسية فحدث ولا حرج، قيادات هذه الجمعيات طبعا هي قيادات سياسية تمتلك ذلك « التاريخ الطويل من العمل السياسي» الذي تدغدغ به مشاعر الجمهور الذي يمثل الشباب غالبيته. وهو ما انعكس على النواب الممثلين للشعب الذين يفتقرون إجمالا لذلك العقل « الشاب» ، والذين يتحدرون من تيارات تحمل إرثها السياسي على الأرض، وإرثها « التاريخي» من العداوة مع التيارات الأخرى، وهو الإرث الذي تحرص على توريثه لكوادرها جيلا بعد جيل. هذه الجمعيات تبحث دائما عن الرمز وعن القائد في جذور التاريخ، فهو المرجع النهائي الذي يمتلك الكلمة الفصل. جنبا إلى جنب مع عدد من رفقاء دربه الطويل من مؤسسي التيار السياسي ذاك، ولأن الأعضاء الشباب الجدد في الغالب لم يشاركوا في التأسيس ولم يصنعوا ذلك التيار، فمكانهم اللجنة الشبابية في الجمعية السياسية تلك، يخدمون فيها التيار، ويتبعون الأوامر التي تأتيهم من فوق وينفذونها حرفيا، حتى يصلوا إلى المرتبة و» العمر» المناسبين اللذين يمكن معهما الترقي في هذا التيار.
العامل الأخطر والأكثر تأثيرا ربما في مجتمعنا المحافظ المتدين هو «القيادات الدينية». فللمؤسسة الدينية في البحرين مكانتها الواسعة وقدرتها الكبيرة على التأثير على شرائح متعددة من المجتمع، وأهمها أيضا «الشباب». ولكن من يسيطر على تلك المؤسسات الدينية وعلى اتخاذ القرار فيها أيضاَ؟ لعله إشكال طرق للبحث في عدد كبير من الدول الإسلامية وهو غياب القيادة الدينية « الشابة» التي تتفهم مشكلات العصر وتتحدث بلغة يفهمها من يعيش في الألفية الثالثة. وهو الإشكال الذي يوجد في البحرين أيضا كغيرها، فالخطاب الديني مثله مثل خطاب الجمعيات الأهلية أو السياسية، خطاب « قديم»، بحاجة ماسة إلى لغة وفهم أكثر عصرية. ولعلها دعوة مفتوحة لكل تلك القيادات التي نحترمها ونقدر حكمتها وتاريخها … « أعطوا الشباب فرصة حقيقية، قد يغيرون الكثير».
إقرأ أيضا لـ "ندى الوادي"العدد 1793 - الجمعة 03 أغسطس 2007م الموافق 19 رجب 1428هـ