إنّ ما حدث في تركيا أخيرا، والذي توج بفوز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات التركية، يمثل محطة سياسية ينبغي التوقف عندها ودراستها من جميع المعنيين وخصوصا منهم الحركات والأحزاب الإسلامية، بالإضافة إلى الدوائر الغربية، التي لا تزال تتعامل مع المسلمين ككتلة بشرية متناقضة في الشكل والمضمون مع الحضارة الغربية، متجاهلين أن هناك بين العلمانيين مَنْ يرى في العلمانية شيئا مقدّسّا يشبه مقدّسات المتدينين ويتعامل بالطريقة نفسها في رفض انتقادها ؛لأنه يرى في ذلك تهديما للنظام، ولذلك بات الجيش عنده هو الذي يحمي النظام بدلا من الشعب.
إنّ التجربة التركية الجديدة تطلق أكثر من إشارة ينبغي التقاطها في الخارج، وخصوصا في الدوائر الغربية والأوروبية بالذات، بأنّ المسلمين ليسوا «بعبعا» مخيفا في أفكارهم وتوجهاتهم، وأنه يمكن أنْ يدلوا بأصواتهم لأحزاب إسلامية منفتحة لا تبتعد في حركتها السياسية والثقافية والاجتماعية عن مناخ الحريات الإنسانية المنفتحة على القيم الإنسانية، كما هو الأمر في الغرب نفسه، ولا تلجأ إلى العنف كوسيلة من وسائل العمل السياسي... وهو الأمر الذي ينبغي أن تدرسه هذه الدوائر الغربية بعناية ووعي، ولا سيما منها تلك التي تضع المسلمين جميعا في خانة واحدة وتصنفهم كإرهابيين حاليين أو محتملين، مع أننا نشهد أنماطا من الإرهاب عند الغربيين أنفسهم لا يُصار إلى تصنيفها دينيا، إضافة إلى إرهاب الدولة الذي يتجلى في حركة بعض الدول في دعمها للإرهاب الإسرائيلي.
كما أنّ هذه التجربة تمثل رسالة للأحزاب والحركات والجماعات الإسلامية التي لا تؤمن بغير العنف كوسيلة أساسية للوصول إلى السلطة والتي ينطلق منظرّوها في تمجيد العنف الدامي والدفاع عنه كأسلوب وحيد من أساليب التغيير في المشهد السياسي على المستوى العالمي أو حتى على المستوى الإسلامي... ومفاد هذه الرسالة بأن الشعب يمكن أن يختار الأحزاب الإسلامية وأن يعطيها أصواته من خلال ثقته بخبرتها وإخلاصها، وأن عنصر الكفاءة السياسية والاقتصادية يمكن أن يكون دافعا حاسما لتحقيق الهدف السياسي وحتى الثقافي والفكري، وهو ما تجلى في شكل واضح في الانتخابات التركية الأخيرة.
إننا في الوقت الذي نقدّر لحزب العدالة والتنمية هذا النجاح في إطار تقويمنا للخصوصية التركية، نريد للأحزاب والحركات ذات التوجه الإسلامي أن تستفيد من هذه التجربة سواء من خلال تحريك العناوين السياسية والاقتصادية في الخطاب بطريقة واقعية وحيوية، أو من خلال قراءة الظروف المحلية والخارجية التي تحيط بهذه التجربة الانتخابية أو تلك التجربة السياسية والتعامل معها بواقعية وبروح علمية موضوعية بعيدا من كل أساليب التشنج والانفعال وما يفرضه هذا الالتزام من تبعات فكرية وثقافية وما إلى ذلك.
إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"العدد 1793 - الجمعة 03 أغسطس 2007م الموافق 19 رجب 1428هـ